لما نزلت مشى رسول الله A ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء فإذا الأنصار جلوس فقال : أمؤمنون أنتم ؟ فسكت القوم ثم أعادها : فقال عمر : يا رسول الله إنهم لمؤمنون وأنا معهم . فقال A : " أترضون بالقضاء " لما قالوا : نعم قال : " أتصبرون على البلاء " قالوا : نعم . قال : " أتشكرون في الرخاء ؟ " قالوا : نعم . قال A : " مؤمنون ورب الكعبة " . فجلس ثم قال : يا معشر الأنصار إن الله D قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط فقالوا : يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء . فتلا النبي A : " رجال يحبون أن يتطهروا " . وقرئ ؟ أن يطهروا بالإدغام . وقيل : هو عام في التطهر من النجاسات كلها . وقيل : كانوا لا ينامون الليل على الجنابة ويتبعون الماء أثر البول . وعن الحسن : هو التطهر من الذنوب بالتوبة . وقيل : يحبون أن يتطهروا بالحمى المكفرة لذنوبهم فحموا عن آخرهم . فإن قلت : ما معنى المحبتين ؟ قلت : محبتهم للتطهر أنهم يؤثرونه ويحرصون عليه حرص الحب للشيء المشتهى له على إيثاره . ومحبة الله تعالى إياهم : أنه يرضى عنهم ويحسن إليهم كما يفعل المحب بمحبوبه .
" أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين " .
قرئ : أسس بنيانه وأسس بنيانه على البناء للفاعل والمفعول . وأسس بنيانه جمع أساس على الإضافة وأساس بنيانه بالفتح والكسر : جمع أس وأساس بنيانه على وأفعال جمع أس أيضا وأس بنيانه . والمعنى : أفمن أسس بنيان دينه على قاعدة قوية محكمة وهي الحق الذي هو تقوى الله ورضوانه " خير أم من " أسسه على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها وأقلها بقاء وهو الباطل والنفاق الذي مثله مثل " شفا جرف هار " في قلة الثبات والاستمساك وضع شفا الجرف في مقابلة التقوى لأنه جعل مجازا عما ينافي التقوى . فإن قلت : فما معنى قوله : " فانهار به في نار جهنم " ؟ قلت : لما جعل الجرف الهائر مجازا عن الباطل قيل : فانهار به في نار جهنم على معنى : فطاح به الباطل في نار جهنم إلا أنه رشح المجاز فجيء بلفظ الانهيار الذي هو للجرف وليصور أن المبطل كأنه أسس بنيانا على شفا جرف من أودية جهنم فانهار به ذلك الجرف فهوى في قعرها . والشفا : الحرف والشفير . وجرف الوادي : جانبه الذي يتحفر أصله بالماء وتجرفه السيول فيبقى واهيا . والهار : الهائر وهو المتصدع الذي أشفى على التهدم والسقوط . ووزنه فعل قصر عن فاعل كخلف من خالف . ونظيره : شاك وصات في شائك وصائت . وألفه ليست بألف فاعل إنما هي عينه . وأصله هور وشوك وصوت . ولا ترى أبلغ من هذا الكلام ولا أدل على حقيقة الباطل وكنه أمره . وقرئ : جرف بسكون الراء : فإن قلت : فما وجه ما روى سيبويه عن عيسى بن عمر : على تقوى من الله بالتنوين ؟ قلت : قد جعل الألف للإلحاق لا للتأنيث كتترى فيمن نؤن ألحقها بجعفر . وفي مصحف أبي : فانهارت به قواعده . وقيل : حفرت بقعة من مسجد الضرار فرؤي الدخان يخرج منه . وروي أن مجمع بن حارثة كان إمامهم في مسجد الضرار فكلم بنو عمرو بن عوف أصحاب مسجد قباء عمر بن الخطاب في خلافته أن يأذن لمجمع فيؤمهم في مسجدهم فقال : لا ولا نعمة عين أليس بإمام مسجد الضرار ؟ فقال : يا أمير المؤمنين لا تعجل علي فوالله لقد صليت بهم والله يعلم أني لا أعلم ما أضمروا فيه ولو علمت ما صليت معهم فيه كنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا شيوخا لا يقرؤون من القرآن شيئا فعذره وصدقه وأمره بالصلاة بقومه .
" لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم "