كما يقال : يا إله والإله من أسماء الأجناس كالرجل والفرس اسم يقع على كل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بحق كما أن النجم اسم لكل كوكب ثم غلب على الثريا وكذلك السنة على عام القحط والبيت على الكعبة والكتاب على كتاب سيبويه . وأماالله بحذف الهمزة فمختص بالمعبود بالحق لم يطلق على غيره . ومن هذا الاسم اشتق : تأله وأله واستأله . كما قيل : استنوق واستحجر في الاشتقاق من الناقة والحجر . فإن قلت : أاسم هو أم صفة ا قلت : بل اسم غير صفة ألا تراك تصفه ولا تصف به لا تقول : شيء إله كما لا تقول : شيء رجل . وتقول : إله واحد صمد كما تقول : رجل كريم خير . وأيضافان صفاته تعالى لا بد لها من موصوف تجرى عليه فلو جعلتها كلها صفات بقيت غير جارية على اسم موصوف بها وهذا محال . فان قلت : هل لهذا الاسم اشتقاق . قلت : معنى الاشتقاق أن ينتظم الصيغتين فصاعدا معنى واحد وصيغة هذا الاسم وصيغة قولهم : أله إذا تحير ومن أخواته : دله وعله ينتظمهما معنى التحير والدهشة وذلك أن الأوهام تتحير في معرفة المعبود وتدهش الفطن ولذلك كثر الضلال وفشا الباطل وقل النظر الصحيح . فإن قلت : هل تفخم لأمه قلت : نعم قد ذكر الزجاج أن تفخيمها سنة وعلى ذلك العرب كلهم واطباقهم عليه دليل أنهم ورثوه كابرا عن كابر . والرحمن فعلان من رحم كغضبان وسكران من غضب وسكر وكذلك الرحيم فعيل منه كمريض وسقيم من مرض وسقم وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم ولذلك قالوا : رحمان الدنيا والاحزة ورحيم الدنيا ويقولون : إن الزيادة في البناء لزيادة المعنى . وقال الزجاج في الغضبان : هو الممتلئ غضبا . ومما طن على أذني من ملح العرب أنهم يسمون مركبا من مراكبهم بالشقدف . وهو مركب خفيف ليس في ثقل معامل العراق فقلت في طريق الطائف لرجل منهم ما اسم هذا المحمل أردت المحمل العراقي فقال : أليس ذاك اسمه الشقدف . قلت : بلى فقال : هذا اسمه الشقنداف فزاد في بناء الاسم لزيادة المسمى وهو من الصفات الغالبة - كالدبران والعيوق والصعق لم يستعمل في غير الله عزوجل كما أنا الله من الأسماء الغالبة . وأما قول بني حنيفة في مسيلمة : رحمان اليمامة وقول شاعرهم فيه : .
وأنت غيث الورى ... لا زلت رحمانا .
فباب من تعنتهم في كفرهم . فان قلت : كيف تقول : الله رحمان أتصرفه أم لا قلت : أقيسه على أخواته من بابه أعني : نحو عطشان وغرثان وسكران فلا أصرفه . فان قلت : قد شرط في امتناع صرف فعلان أن يكون فعلان فعلى واختصاصه بالله يحظر أن يكون فعلان فعلى فلم تمنعه الصرف . قلت : كما حظر ذلك أن يكون له مؤنث على فعلى كعطشى فقد حظر أن يكون له مؤنث على فعلانة كندمانة فإذا لا عبرة بامتناع التأنيث للاختصاص العارض فوجب الرجوع إلى الأصل قبل الاختصاص وهو القياس على نظائره . فان قلت : ما معنى وصف الله تعالى بالرحمةومعناها العطف والحنو ومنها الرحم لانعطافها على ما فيها . قلت : هو مجاز عن إنعامه على عبادة لأن الملك إذا عطف على رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه وانعامه كما أنه إذا أدركته الفظاظة والقسوة عنف بهم ومنعهم خيره ومعروفه . فان قلت : فلم قذم ما هو أبلغ من الوصفين على ما هو دونه والقياس الترقي من الأدنى إلى الأعلى كقولهم : فلان عالم نحرير وشجاع باسل وجواد فياض قلت : لما قال " الرخمن " فتناول جلائل النعم وعظائمها وأصولها أردفه الرحيم كالتتمة والرديف ليتناول ما دق منها ولطف .
" الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم " الحمد والمدح أخوان وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها . تقول : حمدت الرجل على إنعامه وحمدته على حسبه وشجاعته .
وأما الشكر فعلى النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال : .
أفادثكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا .
والحمد باللسان وحده فهو إحدى شعب الشكر ومنه قوله عليه أ الصلاة و السلام : " الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لم يحمده " وإنما جعله رأس الشكر لأن ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها أشيع لها وأدل على مكانها من الاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب وما في عمل الجوارح من الاحتمال بخلاف عمل اللسان وهو النطق الذي يفصح عن كل خفي ويجلي كل مشتبه