" فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين " .
وإنما قال " إلى طائفة منهم " لأن منهم من تاب عن النفاق وندم على التخلف أو اعتذر بعذر صحيح . وقيل : لم يكن المخلفون كلهم منافقين فأراد بالطائفة : المنافقين منهم " فاستأذنوك للخروج " يعني إلى غزوة بعد غزوة تبوك . " أول مرة " هي الخروج إلى غزوة تبوك وكان إسقاطهم عن ديوان الغزاة عقوبة لهم على تخلفهم الذي علم الله أنه لم يدعهم إليه إلا النفاق بخلاف غيرهم من المتخلفين " مع الخالفين " قد مر تفسيره . وقرأ مالك بن دينار C : مع الخلفين على قصر الخالفين . فإن قلت : " مرة " نكرة وضعت موضع المرات للتفضيل فلم ذكر اسم التفضيل المضاف إليها وهو دال ! .
على واحدة من المرات ؟ قلت : أكثر اللغتين : هند أكبر النساء وهي أكبرهن . ثم إن قولك : هي كبرى امرأة لا تكاد تعثر عليه . ولكن هي أكبر امرأة وأول مرة وآخر مرة .
وعن قتادة : ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلا قيل فيهم ما قيل .
" ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بآيات الله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون " .
روي : أن رسول الله A كان يقوم على قبور المنافقين ويدعو لهم فلما مرض رأس النفاق عبد الله بن أبي بعث إليه ليأتيه فلما دخل عليه قال : أهلكك حب اليهود . فقال : يا رسول الله بعثت إليك لتستغفر لي لا لتؤنبني وسأله أن يكفنه في شعاره الذي يلي جلده ويصلي عليه فلما مات دعاه ابنه حباب إلى جنازته فسأله عن اسمه فقال : أنت عبد الله ابن عبد الله . الحباب : اسم شيطان فلما هم بالصلاة عليه قال له عمر : أتصلي على عدو الله فنزلت وقيل : أراد أن يصلي عليه فجذبه جبريل . فإن قلت : كيف جازت له تكرمة المنافق وتكفينه في قميصه ؟ قلت : كان ذلك مكافأة له على صنيع سبق له . وذلك أن العباس Bه عم رسول الله A لما أخذ أسيرا ببدر لم يجدوا له قميصا وكان رجلا طوالا فكساه عبد الله قميصه .
وقال له المشركون يوم الحديبية : إنا لا نأذن لمحمد ولكنا نأذن لك فقال : لا إن لي في رسول الله أسوة حسنة فشكر رسول الله A له ذلك وإجابة له إلى مسئلته إياه فقد كان E لا يرد سائلا وكان يتوفر على دواعي المروءة ويعمل بعادات الكرام وإكراما لابنه الرجل الصالح فقد روي : أنه قال له : أسألك أن تكفنه في بعض قمصانك وأن تقوم على قبره ولا يشمت به الأعداء وعلما بأن تكفينه في قميصه لا ينفعه مع كفره فلا فرق بينه وبين غيره من الأكفان وليكون إلباسه إياه لطفا لغيره فقد روي أنه قيل له : لم وجهت إليه بقميصك وهو كافر ؟ فقال : إن قميصي لن يغني عنه من الله شيئا وإني أؤمل في الله أن يدخل في الإسلام كثير بهذا السبب فيروى أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه طلب الاستشفاء بثوب رسول الله A وكذلك ترحمه واستغفاره كان للدعاء إلى التراحم والتعاطف لأنهم إذا رأوه يترحم على من يظهر الإيمان وباطنه على خلاف ذلك دعا المسلم إلى أن يتعطف على من واطأ قلبه لسانه ورآه حتما عليه . فإن قلت : فكيف جازت الصلاة عليه ؟ قلت : لم يتقدم نهي عن الصلاة عليهم وكانوا يجرون مجرى المسلمين لظاهر إيمانهم لما في ذلك من المصلحة . وعن ابن عباس Bه : ما أدري ما هذه الصلاة إلا أني أعلم أن رسول الله A لا يخادع " مات " صفة لأحد . وإنما قيل : مات وماتوا بلفظ الماضي والمعنى على الاستقبال على تقدير الكون والوجود لأنه كائن موجود لا محالة " إنهم كفروا " تعليل للنهي وقد أعيد قوله : " ولا تعجبك " لأن تجدد النزول له شأن في تقرير ما نزل له وتأكيده وإرادة أن يكون على بال من المخاطب لا ينساه ولا يسهو عنه وأن يعتقد أن العمل به مهتم يفتقر إلى فضل عناية لا سيما إذا تراخى ما بين النزولين فأشبه الشيء الذي أهم صاحبه فهو يرجع إليه في أثناء حديثه ويتخلص إليه وإنما أعيد هذا المعنى لقوته فيما يجب أن يحذر منه