تواثق خمسة عشر منهم على أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنم العقبة بالليل فأخذ عمار بن ياسر بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وبقعقعة السلاح فالتفت فإذا قوم متلثمون فقال : إليكم إليكم يا أعداء الله فهربوا . وقيل : هم المنافقون بقتل عامر لرده على الجلاس . وقيل : أرادوا أن يتوجوا عبد الله بن أبي وإن لم يرض رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم " ما نقموا " وما أنكروا وما عابوا " إلا أن أغناهم الله " وذلك أنهم كانوا حين قدم رسول الله A المدينة في ضنك من العيش لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة فأثروا بالغنائم وقتل للجلاس مولى فأمر رسول الله A بديته اثني عشر ألفا فاستغنى " فإن يتوبوا " هي الآية التي تاب عندها الجلاس " في الدنيا والآخرة " بالقتل والنار .
" ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون " .
روى أن ثعلبة بن حاطب قال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال A : " يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه " فراجعه وقال : والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه فدعا له فاتخذ غنما فنمت كما ينمى الدود حتى ضاقت بها المدينة فنزل واديا وانقطع عن الجماعة والجمعة فسأل عنه رسول الله A فقيل : كثر ماله حتى لا يسعه واد . قال : " يا ويح ثعلبة " فبعث رسول الله A مصدقين لأخذ الصدقات فاستقبلهما الناس بصدقاتهم ومرا بثعلبة فسألاه الصدقة وأقراه كتاب رسول الله A الذي فيه الفرائض فقال : ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية وقال : ارجعا حتى أرى رأي فلما رجعا قال لهما رسول الله A قبل أن يكلماه : " يا ويح ثعلبة " مرتين فنزلت فجاءه ثعلبة بالصدقة فقال : " إن الله منعني أن أقبل منك " فجعل التراب على رأسه فقال : هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني فقبض رسول الله A فجاء بها إلى أبي بر Bه فلم يقبلها وجاء إلى عمر رضي الله عنه في خلافته فلم يقبلها وهلك في زمان عثمان Bه . وقرئ : " لنصدقن ولنكونن " بالنون الخفيفة فيهما " من الصالحين " قال ابن عباس Bه : يريد الحج " فأعقبهم " عن الحسن وقتادة Bهما : أن الضمير للبخل . يعني : فأورثهم البخل " نفاقا " متمكنا " في قلوبهم " لأنه كان سببا فيه وداعيا إليه . والظاهر أن الضمير لله D . والمعنى : فخذلم حتى نافقوا وتمكن في قلوبهم نفاقهم فلا ينفك عنها إلى أن يموتوا بسبب إخلافهم ما وعدوا الله من الصدق والصلاح وكونهم كاذبين . ومنه : جعل خلف الوعد ثلث النفاق . وقرئ : يكذبون بالتشديد وألم تعلموا بالتاء . عن علي Bه .
" ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب " .
" سرهم ونجواهم " ما أسروه من النفاق والعزم على إخلاف ما وعدوه وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن في الدين وتسمية الصدقة جزية وتدبير منعها .
" الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم " .
" الذين يلمزون " محله النصب أو الرفع على الذم . ويجوز أن يكون في محل الجر بدلا من الضمير في سرهم ونجواهم . وقرئ : يلمزون بالضم " المطوعين " المتطوعين المتبرعين . روي :