انتهيت إلى رسول الله A وفي عنقي صليب من ذهب فقال : " أليسوا يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرمه الله فتحلونه " ؟ قلت : بلى . قال : " فتلك عبادتهم " وعن فضيل رضي الله عنه . ما أبالي أطعت مخلوقا في معصية الخالق أو صليت لغير القبلة . وأما المسيح فحين جعلوه ابنا لله فقد أهلوه للعبادة . ألا ترى إلى قوله : " قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " الزخرف : 81 ، . " وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا " أمرتهم بذلك أدلة العقل والنصوص في الإنجيل والمسيح عليه السلام : أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة " سبحانه " تنزيه له عن الإشراك به واستبعاد له . ويجوز أن يكون الضمير في " وما أمروا " للمتخذين أربابا أي : وما أمر هؤلاء الذين هم عندهم أرباب إلا ليعبدوا الله ويوحدوه فكيف يصح أن يكونوا أربابا وهم مأمورون مستعبدون مثلهم .
" يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " .
مثل حالهم في طلبهم أن يبطلوا نبوة محمد A بالتكذيب بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق يريد الله أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى في الإشراق أو الإضاءة . ليطفئه بنفخة ويطمسه " ليظهره " ليظهر الرسول عليه السلام " على الدين كله " على أهل الأديان كلهم . أو ليظهر دين الحق على كل دين . فإن قلت : كيف جاز أبى الله إلا كذا ولا يقال : كرهت أو أبغضت إلا زيدا ؟ قلت : قد أجرى أبى مجرى لم يرد ألا ترى كيف قوبل " يريدون أن يطفئوا " بقوله : " يأبى الله " وكيف أوقع موقع ولا يريد الله إلا أن يتم نوره .
" يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلوا أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنتم يكنزون لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " .
معنى أكل الأموال على وجهين : إما أن يستعار الأكل للأخذ . ألا ترى إلى قولهم : أخذ الطعام وتناوله . وإما على أن الأحوال يؤكل بها فهي سبب الأكل . ومنه قوله : .
أن لنا أحمرة عجافا ... يأكلن كل ليلة إكافا .
يريد : علفا يشترى بثمن إكاف . ومعنى أكلهم بالباطل : أنهم كانوا يأخذون الرشا في الأحكام والتخفيف والمسامحة في الشرائع " والذين يكنزون " يجوز أن يكون إشارة إلى الكثير من الأحبار والرهبان للدلالة على اجتماع خصلتين مذمومتين فيهم : أخذ البراطيل وكنز الأموال والضن بها عن الإنفاق في سبيل الخير . ويجوز أن يراد المسلمون الكانزون غير المنفقين ويقرن بينهم وبين المرتشين من اليهود والنصارى تغليظا ودلالة على أن من يأخذ منهم السحت ومن لا يعطي منكم طيب ماله : سواء في استحقاق البشارة بالعذاب الأليم . وقيل : نسخت الزكاة آية الكنز . وقيل : هي ثابتة وإنما عني بترك الإنفاق في سبيل الله منع الزكاة . وعن النبي A : " ما أذى زكاته فليس بكنز وإن كان باطنا وما بلغ أن يزكى فلم يزك فهو كنز وإن كان ظاهرا " وعن عمر رضي الله عنه أن رجلا سأله عن أرض له باعها فقال : أحرز ممالك الذي أخذت احفر له تحت فراش امرأتك . قال : أليس بكنز ؟ قال : ما أدى زكاته فليس بكنز وعن ابن عمر رضي الله عنهما : كل ما أديت زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين وما لم يؤد زكاته فهو الذي ذكر الله تعالى وإن كان على ظهر الأرض فإن قلت : فما تصنع بما روى سالم بن أبي الجعد Bهم أنها لما نزلت قال رسول الله A : " تبا للذهب تبا للفضة " قالها ثلاثا . فقالوا له : أي مال نتخذ ؟ قال : " لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا وزوجة تعين أحدكم على دينه " وبقوله E : " من ترك صفراء أو بيضاء كوي بها "