" إنما يعمر مساجد الله " وقرئ بالتوحيد : أي : إنما تستقيم عمارة هؤلاء وتكون معتدا بها والعمارة تتناول رم ما استرم منها وقمها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وتعظيمها واعتيادها للعبادة والذكر ومن الذكر درس العلم بل هو أجله وأعظمه وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا فضلا عن فضول الحديث وعن النبي A : " يأتي في آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا ذكرهم الدنيا وحب الدنيا لا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة " وفي الحديث : " الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش " وقال عليه الصلاة السلام : " قال الله تعالى : إن بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره وعنه E : " من ألف المسجد ألفه الله وقال E : " إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان " وعن أنس Bه : من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في ذلك المسجد ضوؤه . فإن قلت : هلا ذكر الإيمان برسول الله A قلت : لما علم وشهر أن الإيمان بالله تعالى قرينته الإيمان بالرسول عليه الصلاة السلام لاشتمال كلمة الشهادة والأذان والإقامة وغيرها عليهما مقترنين مزدوجين كأنهما شيء واحد غير منفك أحدهما عن صاحبه انطوى تحت ذكر الإيمان بالله تعالى الإيمان بالرسول E . وقيل : دل عليه بذكر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ؟ فإن قلت : كيف قيل : " ولم يخش إلا الله " والمؤمن يخشى المحاذير ولا يتمالك أن لا يخشاها ؟ قلت : هي الخشية والتقوى في أبواب الدين وأن لا يختار على رضا الله غيره لتوقع مخوف وإذا اعترضه أمران : أحدهما حق الله والآخر حق نفسه أن يخاف الله فيؤثر حق الله على حق نفسه . وقيل : كانوا يخشون الأصنام ويرجونها فأريد نفي تلك الخشية عنهم " فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين " تبعيد للمشركين عن مواقف الاهتداء وحسم لأطماعهم من الانتفاع بأعمالهم التي استعظموها وافتخروا بها وأملوا عاقبتها بأن الذين آمنوا وضموا إلى إيمانهم العمل بالشرائع مع استشعار الخشية والتقوى اهتداؤهم دائر بين عسى ولعل فما بال المشركين يقطعون أنهم مهتدون ونائلون عند الله الحسنى . وفي هذا الكلام ونحوه لطف للمؤمنين في ترجيح الخشية على الرجاء ورفض الاغترار بالله تعالى .
" أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " .
السقاية والعمارة : مصدران من سقى وعمر كالصيانة والوقاية . ولا بد من مضاف محذوف تقديره " أجعلتم " أهل " سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله " تصدقه قراءة ابن الزبير وأبي وجزة السعدي وكان من القراء سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام والمعنى إنكار أن يشبه المشركون بالمؤمنين وأعمالهم المحبطة بأعمالهم المثبتة وأن يسوي بينهم . وجعل تسويتهم ظلما بعد ظلمهم بالكفر . وروي أن المشركين قالوا لليهود : نحن سقاة الحجيج وعمار المسجد الحرام أفنحن أفضل أم محمد وأصحابه ؟ فقالت لهم اليهود : أنتم أفضل . وقيل : إن عليا Bه قال للعباس : يا عم ألا تهاجرون ألا تلحقون برسول الله A . فقال : ألست في أفضل من الهجرة : أسقي حافي بيت الله وأعمر المسجد الحرام فلما نزلت قال العباس : ما أراني إلا تارك سقايتنا . فقال E : " أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرا " .
" الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم " .
هم " أعظم درجة عند الله " من أهل السقاية والعمارة عندكم " وأولئك هم الفائزون " لا أنتم والمختصون بالفوز دونكم وقرئ : يبشرهم بالتخفيف والتثقيل وتنكير المبشر به لوقوعه وراء صفة الواصف وتعريف المعرف . وعن ابن عباس Bه : هي في المهاجرين خاصة