" الذين كفروا فهم لا يؤمنون " أي أصروا على الكفر ولجوا فيه فلا يتوقع منهم إيمان وهم بنو قريظة عاهدهم رسول الله A أن لا يمالئوا عليه فنكثوا بأن أعانوا مشركي مكة بالسلاح وقالوا : نسينا وأخطأنا ثم عاهدهم فنكثوا ومالوا معهم يوم الخندق وانطلق كعب بن الأشرف إلى مكة فحالفهم " الذين عاهدت منهم " بدل من الذين كفروا أي الذين عاهدتهم من الذين كفروا جعلهم شر الدواب لأن شر الناس الكفار وشر الكفار المصرون منهم وشر المصرين الناكثون للعهود " وهم لا يتقون " لا يخافون عاقبة الغدر ولا يبالون لما فيه من العار والنار " فإما تثقفنهم في الحرب " فإما تصادفنهم وتظفر بهم " فشرد بهم من خلفهم " ففرق عن محاربتك ومناصبتك بقتلهم شر قتلة والنكاية فيهم من وراءهم من الكفرة حتى لا يجسر عليك بعدهم أحد اعتبارا بهم واتعاظا بحالهم وقرأ ابن مسعود Bه فشرذ بالذال المعجمة بمعنى : ففرق وكأنه مقلوب شذر من قولهم ذهبوا شذر مذر ومنه : الشذر : المتلقط من المعدن لتفرقه وقرأ أبو حيوة من خلفهم ومعناه : فافعل التشريد من ورائهم لأنه إذا شرد الذين وراءهم فقد فعل التشريد في الوراء وأوقعه فيه ؟ لأن الوراء جهة المشردين فإذا جعل الوراء ظرفا للتشريد فقد دل على تشريد من فيه فلم يبق فرق بين القراءتين " لعلهم يذكرون " لعل المشردين من ورائهم يتعظون .
" وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على السواء إن الله لا يحب الخائنين " .
" وإما تخافن من قوم " معاهدين " خيانة " ونكثا بإمارات تلوح لك " فانبذ إليهم " فاطرح إليهم العهد " على السواء " على طريق مستو قصد وذلك أن تظهر لهم نبذ العهد وتخبرهم إخبارا مكشوفا بينا أنك قطعت ما بينك وبينهم ولا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد فيكون ذلك خيانة منك " إن الله لا يحب الخائنين " فلا يكن منك إخفاء نكث العهد والخداع وقيل : على استواء في العلم بنقض العهد . وقيل على استواء في العداوة . والجار والمجرور في موضع الحال كأنه قيل : فانبذ إليهم ثابتا على طريق قصد سوى أو حاصلين على استواء في العلم أو العداوة على أنها حال من النابذ والمنبوذ إليهم معا .
" ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون " .
" سبقوا " أفلتوا وفاتوا من أن يظفر بهم " إنهم لا يعجزون " إنهم لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم وقرئ : أنهم بالفتح بمعنى : لأنهم كل واحدة من المكسورة والمفتوحة تعليل إلا أن المكسورة على طريقة الاستئناف والمفتوحة تعليل صريح وقرئ : يعجزون بالتشديد وقرأ ابن محيضن : يعجزون بكسر النون وقرأ الأعمش " ولا تحسب الذين كفروا " بكسر الباء وبفتحها على حذف النون الخفيفة وقرأ حمزة : " ولا يحسبن " بالياء على أن الفعل للذين كفروا وقيل فيه : أصله أن سبقوا فحذفت أن كقوله : " ومن آياته يريكم البرق " الروم : 24 ، واستدل عليه بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه : أنهم سبقوا . وقيل : وقع الفعل على أنهم لا يعجزون على أن لا صلة وسبقوا في محل الحال بمعنى سابقين أي مفلتين هاربين . وقيل معناه : ولا يحسبنهم الذين كفروا سبقوا فحذف الضمير لكونه مفهوما . وقيل : ولا يحسبن قبيل المؤمنين الذين كفروا سبقوا . وهذه الأقاويل كلها متمحلة وليست هذه القراءة التي تفرد بها حمزة بنيرة . وعن الزهري أنها نزلت فيمن أفلت من فل المشركين .
" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون " .
" من قوة " من كل ما يتقوى به في الحرب من عددها . وعن عقبة بن عامر :