" لو نشاء لقلنا مثل هذا " نفاجة منهم وصلف تحت الراعدة فإنهم لم يتوانوا في مشيئتهم لو ساعدتهم الاستطاعة وإلا فما منعهم إن كانوا مستطيعين أن يشاءوا غلبة من تحداهم وقرعهم بالعجز حتى يفوزوا بالقدح المعلي دونه مع فرط أنفتهم واستنكافهم أن يغلبوا في باب البيان خاصة وأن يماتنهم واحد فيتعللوا بامتناع المشيئة ومع ما علم وظهر ظهور الشمس من حرصهم على أن يقهروا رسول الله A وتهالكهم على أن يغمروه . وقيل : قائله النضر بن الحرث المقتول صبرا حين سمع اقتصاص الله أحاديث القرون : لو شئت لقلت مثل هذا . وهو الذي جاء من بلاد فارس بنسخة حديث رستم وأسفنديار فزعم أن هذا مثل ذاك وأنه من جملة تلك الأساطير وهو القائل : " إن كان هذا هو الحق " وهذا أسلوب من الجحود بليغ يعني إن كان القرآن هو الحق فعاقبنا إنكاره بالسجيل كما فعلت بأصحاب الفيل أو بعذاب آخر . ومراده نفي كونه حقا وإذا انتفى كونه حقا لم يستوجب منكره عذابا فكان تعليق العذاب بكونه حقا مع اعتقاد أنه ليس بحق كتعليقه بالمحال في قولك : إن كان الباطل حقا فأمطر علينا حجارة . وقوله : " هو الحق " تهكم بمن يقول على سبيل التخصيص والتعيين : هذا هو الحق . وقرأ الأعمش " هو الحق " بالرفع على أن هو مبتدأ غير فصل . وهو في القراءة الأولى فصل . ويقال : أمطرت السماء كقولك أنجمت وأسبلت ومطرت كقولك : هتنت وهتلت وقد كثر الأمطار في معنى العذاب . فإن قلت : ما فائدة قوله : " من السماء " ؟ والأمطار لا تكون إلا منها . قلت : كأنه يريد أن يقال : فأمطر علينا السجيل وهي الحجارة المسومة للعذاب فوضع " حجارة من السماء " موضع السجيل كما تقول : صب عليه مسرودة من حديد تريد درعا " بعذاب أليم " أي بنوع آخر من جنس العذاب الأليم يعني أن أمطار السجيل بعض العذاب الأليم فعذبنا به أو بنوع آخر من أنواعه . وعن معاوية أنه قال لرجل من سبأ : ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة قال : أجهل من قومي قومك قالوا لرسول الله A حين دعاهم إلى الحق " إن كان هذا الحق من عندك فأمطر علينا حجارة " ولم يقولوا : إن كان هذا هو الحق فاهدنا له . اللام لتأكيد النفي والدلالة على أن تعذيبهم وأنت بين أظهرهم غير مستقيم في الحكمة لأن عادة الله وقضية حكمته أن لا يعذب قوما عذاب استئصال ما دام نبيهم بين أظهرهم وفيه إشعار بأنهم مرصودون بالعذاب إذا هاجر عنهم . والدليل على هذا الإشعار قوله : " وما لهم ألا يعذبهم الله " وإنما يصح هذا بعد إثبات التعذيب كأنه قال : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وهو معذبهم إذا فارقتهم وما لهم أن لا يعذبهم " وهم يستغفرون " في موضع الحال . ومعناه نفي الاستغفار عنهم : أي ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم كقوله : " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " أهود : 117 ، ولكنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون ولا يتوقع ذلك منهم . وقيل معناه وما كان الله معذبهم وفيهم من يستغفر وهم المسلمون بين أظهرهم ممن تخلف عن رسول الله A من المستضعفين " وما لهم أن لا يعذبهم الله " وأي شيء لهم في انتفاء العذاب عنهم يعني : لا حط لهم في ذلك وهم معذبون لا محالة . وكيف لا يعذبون وحالهم أنهم يصدون عن المسجد الحرام كما صدوا رسول الله A عام الحديبية وإخراجهم رسول الله A والمؤمنين من الصد وكانوا يقولون : نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء " وما كانوا أولياءه " وما استحقوا مع إشراكهم وعداوتهم للدين أن يكونوا ولاة أمره وأربابه " إن أولياؤه إلا المتقون " من المسلمين ليس كل مسلم أيضا ممن يصلح لأن يلي أمره إنما يستأهل ولايته من كان برا تقيا فكيف بالكفرة عبدة الأصنام " ولكن أكثرهم لا يعلمون " كأنه استثنى من كان يعلم وهو يعاند ويطلب الرياسة . أو أراد بالأكثر : الجميع كما يراد بالقلة : العدم .
" ما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون "