والحق الذي جادلوا فيه رسول الله A : تلقي النفير لإيثارهم عليه تلقي العير " بعدما تبين " بعد إعلام رسول الله A بأنهم ينصرون . وجدالهم : قولهم ما كان خروجنا إلا للعير وهلا قلت لنا لنستعد ونتأهب ؟ وذلك لكراهتهم القتال . ثم شبه حالهم في فرط فزعهم ورعبهم وهم يسار بهم إلى الظفر والغنيمة بحال من يعتل إلى القتل ويساق على الصغار إلى الموت المتيقن وهو مشاهد لأسبابه ناظر إليها لا يشك فيها . وقيل : كان خوفهم لقلة العدد وأنهم كانوا رجالة . وروي أنه ما كان فيهم إلا فارسان .
" وإذ يعدهم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين " .
" وإذ " منصوب بإضمار اذكر . و " إنها لكم " بدل من إحدى الطائفتين . والطائفتان : العير والنفير . " غير ذات الشوكة " العير لأنه لم يكن فيها إلا أربعون فارسا والشوكة كانت في النفير لعددهم وعدتهم : والشوكة : الحدة مستعارة من واحدة الشوك . ويقال : شوكالقنا لشباها . ومنها قولهم : شائك السلاح أي تتمنون أن تكون لكم العير لأنها الطائفة التي لا حدة لها ولا شدة ولا تريدون الطائفة الأخرى " أن يحق الحق " أن يثبته ويعليه " بكلماته " بآياته المنزلة في محاربة ذات الشوكة وبما أمر الملائكة من نزولهم للنصرة وبما قضى من أسرهم وقتلهم وطرحهم في قليب بدر . والدابر الآخر : فاعل مر دبر . إذا أدبر . ومنه دابرة الطائر وقطع الدابر عبارة عن الاستئصال يعني أنكم تريدون الفائدة العاجلة وسفاسف الأمور وأن لا تلقوا ما يرزؤكم في أبدانكم وأحوالكم والله D يريد معالي الأمور وما يرجع إلى عمارة الدين ونصرة الحق وعلو الكلمة والفوز في الدارين . وشتان ما بين المرادين . ولذلك اختار لكم الطائفة ذات الشوكة وكسر قوتهم بضعفكم وغلب كثرتهم بقلتكم وأعزكم وأذلهم وحصل لكم ما لا تعارض أدناه العير وما فيها . وقرئ : بكلمته على التوحيد .
" ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون " .
فإن قلت : بم يتعلق قوله : " ليحق الحق " ؟ قلت : بمحذوف تقديره : ليحق الحق ويبطل الباطل فعل ذلك ما فعله إلا لهما . وهو إثبات الإسلام وإظهاره وإبطال الكفر ومحقه . فإن قلت : أليس هذا تكريرا ؟ قلت : لا لأن المعنيين متباينان وذلك أن الأول تمييز بين الإرادتين وهذا بيان لغرضه فيما فعل من اختيار ذات الشوكة على غيرها لهم ونصرتهم عليها وأنه ما نصرهم ولا خذل أولئك إلا لهذا الغرض الذي هو سيد الأغراض . ويجب أن يقدر المحذوف متأخرا حتى يفيد معنى الاختصاص فينطبق عليه المعنى : وقيل : قد تعلق بيقطع .
" إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين " .
فإن قلت بم يتعلق " إذ تستغيثون " ؟ قلت : هو بدل من " إذ يعدكم " الأنفال : 7 ، وقيل بقوله : " ليحق الحق ويبطل الباطل " واستغاثتهم أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال طفقوا يدعون الله ويقولون : أي ربنا انصرنا على عدوك يا غياث المستغيثين أغثنا . وعن عمر Bه : أن رسول الله A نظر إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو : " اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فما زال كذلك حتى سقط رداؤه فأخذه أبو بكر رضي الله عنه فألقاه على منكبه والتزمه من ورائه وقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك " أني ممدكم " أصله بأني ممدكم فحذف الجار وسلط عليه استجاب فنصب محله . وعن أبي عمرو أنه قرأ : إني ممدكم بالكسر على إرادة القول أو على إجراء استجاب مجرى " قال " لأن الاستجابة من القول . فإن قلت : هل قاتلت الملائكة يوم بدر ؟ قلت : اختلف فيه فقيل : نزل جبريل في يوم بدر في خمسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر وميكائيل في خمسمائة على الميسرة وفيها علي بن أبي طالب في صور الرجال عليهم ثياب بيض وعمائم بيض وقد أرخوا أذنابها بين أكتافهم . فقاتلت وقيل : قاتلت يوم بدر ولم تقاتل يوم الأحزاب ويوم حنين . وعن أبي جهل أنه قال لابن مسعود : من أين كان ذلك الصوت الذي كنا فسمع ولا شرى شخصا ؟ قال : من الملائكة فقال أبو جهل : هم غلبونا لا أنتم . وروي :