" والذين يمسكون بالكتاب " فيه وجهان أحدهما : أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره " إنا لا نضيع أجر المصلحين " والمعنى : إنا لا نضيع أجرهم لأن المصلحين في معنى الذين يمسكون بالكتاب كقوله : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا " الكهف : 30 ، والثاني : أن يكون مجرورا عطفا على الذين يتقون ويكون قوله : " إنا لا نضيع " اعتراضا . وقرئ : " يمسكون " بالتشديد . وتنصره قراءة أبي : " والذين مسكوا بالكتاب " فإن قلت : التمسك بالكتاب يشتمل على كل عبادة . ومنها إقامة الصلاة فكيف أفردت ؟ قلت : إظهار لمزية الصلاة لكونها عماد الدين وفارقه بين الكفر والإيمان . وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه : " والذين استمسكوا بالكتاب .
" إذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما أتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون " .
" وإذ نتقنا الجبل فوقهم " قلعناه ورفعناه كقوله : " ورفعنا فوقهم الطور " . ومنه : نتق السقاء إذا نفضه ليقتلع الزبدة منه . والظلة : كل ما أظلك من سقيفة أو سحاب . وقرئ بالطاء من أطل عليه إذا أشرف " وظنوا أنه واقع بهم " وعلموا أنه ساقط عليهم وذلك أنهم أبوا أن يقلبوا أحكام التوراة لغلظها وثقلها فرفع الطور على رؤسهم مقدار عسكرهم وكان فرسخا في فرسخ . وقيل لهم . إن قبلتموها بما فيها وإلا ليقعن عليكم فلما نظروا إلى الجبل خر كل رجل منهم ساجدا على حاجبه الأيسر وهو ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقا من سقوطه فلذلك لا ترى يهوديا يسجد إلا على حاجبه الأيسر ويقولون : هي السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة ولما نشر موسى الألواح وفيها كتاب الله لم يبق جبل ولا شجر ولا حجر إلا اهتز فلذلك لا ترى يهوديا تقرأ عليه التوراة إلا اهتز وأنغض لها رأسه " خذوا ما آتيناكم " على إرادة القول . أي : وقلنا خذوا ما آتيناكم خذوا ما آتيناكم من الكتاب " بقوة " وعزم على احتمال مشاقه وتكاليفه " اذكروا ما فيه " من الأوامر والنواهي ولا تنسوه أو اذكروا ما فيه من التعريض للثواب العظيم فارغبوا فيه . وجوز أن يراد : خذوا ما آتيناكم من الآية العظيمة بقوة إن كنتم تطيقونه كقوله : " إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض " الرحمن : 33 ، فأنفذوا . " واذكروا ما فيه " من الدلالة على القدرة الباهرة والإنذار " لعلكم تتقون " ما أنتم عليه . وقرأ ابن مسعود : وتذكروا وقرئ : واذكروا بمعنى وتذكروا .
" وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا من الغافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم بما فعل المبطلون وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون " .
" من ظهورهم " بدل من بني آدم بدل البعض من الكل . ومعنى أخذ ذرياتهم من ظهورهم : إخراجهم من أصلابهم نسلا وإشهادهم على أنفسهم . وقوله : " ألست بربكم قالوا بلى شهدنا " من باب التمثيل والتخييل ! .
ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم : ألست بربكم ؟ وكأنهم قالوا : بلى أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك . وباب التمثيل واسع في كلام الله تعالى ورسوله E وفي كلام العرب . ونظيره قوله تعالى : " إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " النحل : 40 ، " فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " فصلت : 11 ، وقوله : .
إذ قالت الأنساع للبطن الحق .
قالت له ريح الصبا قرقاز