" ومن قوم موسى أمة " هم المؤمنون التائبون من بني إسرائيل لما ذكر الذين تزلزلوا منهم في الدين وارتابوا حتى أقدموا على العظيمتين عبادة العجل واستجازة رؤية الله تعالى ذكر أن منهم أمة موقنين ثابتين يهدون الناس بكلمة الحق ويدلونهم على الاستقامة ويرشدونهم . وبالحق يعدلون بينهم في الحكم لا يجورون أو أراد الذين وصفهم ممن أدرك النبي A وآمن به من أعقابهم . وقيل : إن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثني عشر سبطا تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبين إخوانهم ففتح الله لهم نفقا في الأرض فساروا فيه سنة ونصفا حتى خرجوا من وراء الصين وهم هنالك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا . وذكر عن النبي A : " أن جبريل ذهب به ليلة الإسراء نحوهم فكلمهم فقال لهم جبريل : هل تعرفون من تكلمون ؟ قالوا : لا . قال : هذا محمد النبي الأمي فآمنوا به وقالوا : يا رسول الله إن موسى أوصانا من أدرك منكم أحمد فليقرأ عليه مني السلام فرد محمد على موسى عليهما السلام السلام ثم أقرؤهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة ولم تكن نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة وأمرهم أن يقيموا مكانهم وكانوا يسبتون فأمرهم أن يجمعوا ويتركوا السبت " . وعن مسروق : قرئ بين يدي عبد الله فقال رجل : إني منهم فقال : عبد الله يعني لمن كان في مجلسه من المؤمنين : وهل يزيد صلحاؤكم عليهم شيئا من يهدي بالحق وبه يعدل وقيل : لو كانوا في طرف من الدنيا متمسكين بشريعة ولم يبلغهم نسخها كانوا معذورين . وهذا من باب الفرض والتقدير وإلا فقد طار الخبر بشريعة محمد A إلى كل أفق وتغلغل في كل نفق ولم يبق الله أهل مدر ولا وبر ولا سهل ولا جبل ولا بر ولا بحر في مشارق الأرض ومغاربها وإلا وقد ألقاه إليهم وملأ به مسامعهم وألزمهم به الحجة وهو سائلهم عنه يوم القيامة .
" وقطعناهم اثني عشرة أسباطا أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلموا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " .
" وقطعناهم " وصيرناهم قطعا أي فرقا وميزنا بعضهم من بعض لقلة الألفة بينهم . وقرئ : " وقطعناهم " بالتخفيف " اثني عشرة أسباطا " كقولك : اثنتي عشرة قبيلة . والأسباط : أولاد الولد جمع سبط وكانوا اثنتي عشرة قبيلة من اثني عشر ولدا من ولد يعقوب عليه السلام . فإن قلت : مميز ما عدا العشرة مفرد فما وجه مجيئه مجموعا ؟ وهلا قيل : اثني عشر سبطا ؟ قلت : لو قيل ذلك لم يكن تحقيقا لأن المراد : وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة وكل قبيلة أسباط لا سبط فوضع أسباطا موضع قبيلة . ونظيره : 4بين رماح مالك ونهشل " وأمما " بدل من اثنتي عشرة بمعنى : وقطعناهم أمما لأن كل أسباط كانت أمة عظيمة وجماعة كثيفة العدد وكل واحدة كانت تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى لا تكاد تأتلف . وقرئ : " اثنتي عشرة " بكسر الشين " فانبجست " فانفجرت . والمعنى واحد وهو الانفتاح بسعة وكثرة : قال العجاج : .
وكيف غربي دالج تبجسا .
فإن قلت : فهلا قيل : فضرب فانبجست ؟ قلت : لعدم الإلباس وليجعل الإنبجاس مسببا عن الإيحاء بضرب الحجر للدلالة على أن الموحى إليه لم يتوقف عن اتباع الأمر وأنه من انتفاء الشك عنه بحيث لا حاجة إلى الإفصاح به . من قوله : " كل أناس " نظير قوله : اثنتي عشرة أسباطا يريد كل أمة من تلك الأمم اثنتي عشرة والأناس اسم جمع غير تكسير نحو . رخال وتناء وتؤام وأخوات لها . ويجوز أن يقال : إن الأصل الكسر والتكسير والضمة بدل من الكسرة كما أبدلت في نحو سكارى وغيارى من الفتحة " وظللنا عليهم الغمام " وجعلناه ظليلا عليهم في التيه و " كلوا " على إرادة القول " وما ظلمونا " وما رجع إلينا ضرر ظلمهم بكفرانهم النعم ولكن كانوا يضرون أنفسهم . ويرجع وبال ظلمهم إليهم .
" وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون "