أن رسول الله A حين مر بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه : " لا يدخلن أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائها ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل الذي أصابهم وقال A : يا علي أتدري من أشقى الأولين ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : عاقر ناقة صالح أتدري من أشقى الآخرين ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : قاتلك وقرأ أبو جعفر في رواية : تأكل في أرض الله وهو في موضع الحال بمعنى آكلة " بوأكم " وتر لكم . والمباءة : المنزل " في الأرض " في أرض الحجر بين الحجاز والشام " من سهولها قصورا " أي تبنونها من سهولة الأرض بما تعملون منها من الرهص واللبن والآجر . وقرأ الحسن : وتنحتون بفتح الحاء وتنحاتون بإشباع الفتحة كقوله : .
ينباع من ذفرى أسيل حرة .
فإن قلت : علام انتصب " بيوتا " ؟ قلت : على الحال كما تقول : خط هذا الثوب قميصا وابر هذه القصبة قلما وهي من الحال المقدرة لأن الجبل لا يكون بيتا في حال النحت ولا الثوب ولا القصبة قميصا وقلما في حال الخياطة والبري . وقيل : كانوا يسكنون السهول في الصيف والجبال في الشتاء .
" قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح أئتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين " .
" للذين استضعفوا " للذين استضعفهم رؤساء الكفار واستذلوهم و " لمن آمن منهم " بدل من الذين استضعفوا . فإن قلت : الضمير في منهم راجع إلى ماذا ؟ قلت : إلى " قومه " أو إلى " الذين استضعفوا " . فإن قلت : هل لاختلاف المرجعين أثر في اختلاف المعنى ؟ قلت : نعم وذلك أن الراجع إذا رجع إلى قومه فقد جعل " من آمن " مفسرا لمن استضعف منهم فدل أن استضعافهم كان مقصورا على المؤمنين وإذا رجع إلى الذين استضعفوا لم يكن الاستضعاف مقصورا عليهم ودل أن المستضعفين كانوا مؤمنين وكافرين : " أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه " شيء قالوه على سبيل الطنز والسخرية كما تقول للمجسمة : أتعلمون أن الله فوق العرش . فإن قلت : كيف صح قولهم : " إنا بما أرسل به مؤمنون " جوابا عنه ؟ قلت : سألوهم عن العلم بإرساله فجعلوا إرساله أمرا معلوما مكشوفا مسلما لا يدخله ريب كأنهم قالوا : العلم بإرساله وبما أرسل به ما لا كلام فيه ولا شبهة تدخله لوضوحه وإنارته وإنما الكلام في وجوب الإيمان به فنخبركم أنا به مؤمنون ولذلك كان جواب الكفرة : " إنا بالذي آمنتم به كافرون " فوضعوا " أمنتم به " موضع " أرسل به " ردا لما جعله المؤمنون معلوما وأخذوه مسلما " فعقروا الناقة " أسند العقر إلى جميعهم لأنه كان برضاهم وإن لم يباشره إلا بعضهم وقد يقال للقبيلة الضخمة : أنتم فعلتم كذا وما فعله إلا واحدا منهم " وعتوا عن أمر ربهم " وتولوا عنه واستكبروا عن امتثاله عاتين وأمر ربهم : ما أمر به على لسان صالح عليه السلام من قوله : " فذروها تأكل في أرض الله " الأعراف : 73 ، أو شأن ربهم وهو دينه . ويجوز أن يكون المعنى : وصدر عتوهم عن أمر ربهم كأن أمر ربهم بتركها كان هو السبب في عتوهم . ونحو عن هذه ما في قوله : " وما فعلته عن أمري " الكهف : 82 ، " ائتنا بما تعدنا " أرادوا من العذاب . وإنما جاز الإطلاق لأنه كان معلوما . واستعجالهم له لتكذيبهم به ولذلك علقوه بما هم به كافرون وهو كونه من المرسلين " الرجفة " الصيحة التي زلزلت لها الأرض واضطربوا لها " في دارهم " في بلادهم أو في مساكنهم " جاثمين " هامدين لا يتحركون موتى . يقال : الناس جثم أي قعود لا حراك بهم ولا ينبسون نبسة . ومنه المجثمة التي جاء النهي عنهما وهي البهيمة تربط وتجمع قوائمها لترمى . وعن جابر : أن النبي A لما مر بالحجر قال : " لا تسألوا الآيات " فقد سألها قوم صالح فأخذتهم الصيحة فلم يبق منهم إلا رجل واحد كان في حرم الله . قالوا من هو ؟ قال : ذاك أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه " وروى : أن صالحا كان بعثه إلى قوم فخالف أمره . وروى : أنه عليه السلام مر بقبر أبي رغال فقال :