" سيقول الذين أشركوا " إخبار بما سوف يقولونه ولما قالوه قال : " وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء " النحل : 35 ، يعنون بكفرهم وتمردهم أن شركهم وشرك آبائهم وتحريمهم ما أحل الله بمشيئة الله وإرادته . ولولا مشيئته لم يكن شيء من ذلك كمذهب المجبرة بعينه " كذلك كذب الذين من قبلهم " أي جاءوا بالتكذيب المطلق لأن الله D ركب في العقول وأنزل في الكتب ما دل على غناه وبراءته من مشيئة القبائح وإرادتها والرسل أخبروا بذلك . فمن علق وجود القبائح من الكفر والمعاصي بمشيئة الله وإرادته فقد كذب التكذيب كله وهو تكذيب الله وكتبه ورسله ونبذ أدلة العقل والسمع وراء ظهره " حتى ذاقوا بأسنا " حتى أنزلنا عليهم العذاب بتكذيبهم " قل هل عندكم من علم " من أمر معلوم يصح الاحتجاج به فيما قلتم " فتخرجوه لنا " وهذا من التهكم والشهادة بأن مثل قولهم محال أن يكون له حجة " وإن تتبعوا إلا الظن " في قولكم هذا " وإن أنتم إلا تخرصون " تقدرون أن الأمر كما تزعمون أو تكذبون . وقرئ : " كذلك كذب الذين من قبلهم " بالتخفيف " قل فلله الحجة البالغة " يعني فإن كان الأمر كما زعمتم أن ما أنتم عليه بمشيئة الله فلله الحجة البالغة عليكم على قود مذهبكم " فلو شاء لهداكم أجمعين " منكم ومن مخالفيكم في الدين فان تعليقكم دينكم بمشيئة الله يقتضي أن تعلقوا دين من يخالفكم أيضا بمشيئته فتوالوهم ولا تعادوهم وتوافقوهم ولا تخالفوهم لأن المشيئة تجمع بين ما أنتم عليه وبين ما هم عليه .
" قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهدوا معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهو بربهم يعدلون " " هلم " يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث عند الحجازيين . وبنو تميم تؤنث وتجمع . والمعنى : هاتوا شهداءكم وقربوهم . فإن قلت : كيف أمره باستحضار شهدائهم الذين يشهدون أن الله حرم ما زعموه محرما ثم أمره بأن لا يشهد معهم ؟ قلت : أمره باستحضارهم وهم شهداء بالباطل ليلزمهم الحجة ويلقمهم الحجر ويظهر للمشهود لهم بانقطاع الشهداء أنهم ليسوا على شيء لتساوي أقدام الشاهدين والمشهود لهم في أنهم لا يرجعون إلى ما يصح التمسك به . وقوله : " فلا تشهد معهم " يعني فلا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم : لأنه إذا سلم لهم فكأنه شهد معهم مثل شهادتهم وكان واحدا منهم " ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا " من وضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أن من كذب بآيات الله وعدل به غيره فهو متبع للهوى لا غير لأنه لو اتبع الدليل لم يكن إلا مصدقا بالآيات موحدا لله تعالى . فإن قلت : هلا قيل : قل هلم شهداء يشهدون أن الله حرم هذا ؟ وأي فرق بينه وبين المنزل ؟ قلت : المراد أن يحضروا شهداءهم الذين علم أنهم يشهدون لهم وينصرون قولهم وكان المشهود لهم يقلدونهم ويثقون بهم ويعتضدون بشهادتهم ليهدم ما يقومون به فيحق الحق ويبطل الباطل فأضيفت الشهداء لذلك وجيء بالذين للدلالة على أنهم شهداء معروفون موسومون بالشهادة لهم وبنصرة مذهبهم والدليل عليه قوله تعالى : " فإن شهدوا فلا تشهد معهم " ولو قيل : هلم شهداء يشهدون لكان معناه هاتوا أناسا يشهدون بتحريم ذلك فكان الظاهر طلب شهداء بالحق وذلك ليس بالغرض . ويناقضه قوله تعالى : " فإن شهدوا فلا تشهد معهم " .
" قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيء وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون "