" قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم " .
فإن قلت : كيف فصل بين بعض المعدود وبعضه ولم يوال بينه ؟ قلت : قد وقع الفاصل بينهما اعتراضا غير أجنبي من المعدود . وذلك أن الله D من على عباده بإنشاء الأنعام لمنافعهم وإباحتها لهم فاعترض بالاحتجاج على من حرمها والاحتجاج على من حرمها تأكيد وتسديد للتحليل والاعتراضات في الكلام لا تساق إلا للتوكيد " في ما أوحي إلي " تنبيه على أن التحريم إنما يثبت بوحي الله تعالى وشرعه لا بهوى الأنفس " محرما " طعاما محرما من المطاعم التي حرمتموها " إلا أن يكون ميتة " إلا أن يكون الشيء المحرم ميتة " أو دما مسفوحا " أي : مصبوبا سائلا كالدم في العروق لا كالكبد والطحال . وقد رخص في دم العروق بعد الذبح " أو فسقا " عطف على المنصوب قبله . سمى ما أهل به لغير الله فسقا لتوغله في باب الفسق . ومنه قوله تعالى : " ولا تأكلوا مما لم بذكر اسم الله عليه وإنه لفسق " الأنعام : 121 ، وأهل : صفة له منصوبة المحل . ومجوز أن يكون مفعولا له من أهل أي أهل لغير الله به فسقا . فإن قلت : فعلام تعطف " أهل " ؟ لام يرجع الضمير في " به " على هذا القول ؟ قلت : يعطف على يكون ويرجع الضمير إلى ما يرجع إليه المستكن في يكون " فمن أضطر " فمن دعته الضرورة إلى كل شيء من هذه المحرمات " غير باغ " على مضطر مثله تارك لمواساته " ولا عاد " متجاوز قدر حاجته من تناوله " فإن ربك غفور رحيم " لا يؤاخذه .
" وعلى الذين هادوا حرمنا كل ظفر ومن الغنم والبقر حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما أختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين " .
ذو الظفر ما له أصبع من دابة أو طائر وكان بعض ذوات الظفر حلالا لهم فلما ظلموا حرم ذلك عليهم فعم التحريم كل ذي ظفر بدليل قوله : " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم " النساء : 60 ، وقوله : ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما " كقولك : من زيد أخذت ماله تريد الإضافة زيادة الربط . والمعنى أنه حرم عليهم لحم كل ذي ظفر وشحمه وكل شيء منه وترك البقر والغنم على التحليل لم يحرم منهما إلا الشحوم الخالصة وهي الثروب وشحوم الكلي . وقوله : " إلا ما حملت ظهورها " يعني إلا ما اشتمل على الظهور والجنوب من السحقة " أو الحوايا " أو اشتمل على الأمعاء " وما أختلط بعظم " وهو شحم الإلية . وقيل " الحوايا " عطف على شحومها . وأو بمنزلتها في قولهم : جالس الحسن أو ابن سيرين " ذلك " الجزاء " جزيناهم " وهو تحريم الطيبات " ببغيهم " بسبب ظلمتهم " وإنا لصادقون " فيما أوعدنا به العصاة لا نخلفه كما لا نخلف ما وعدناه أهل الطاعة . فلما عصوا وبغوا ألحقنا بهم الوعيد وأحللنا بهم العقاب . " فإن كذبوك " في ذلك وزعموا أن الله واسع الرحمة وأنه لا يؤاخذ بالبغي ويخلف الوعيد جودا وكرما " فقل " لهم " ربكم ذو رحمة واسعة " لأهل طاعته " ولا يرد بأسه " مع سعة رحمته " عن القوم المجرمين " فلا تغتر برجاء رحمته عن خوف نقمته .
" سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آبائنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وأن أنتم إلا تخرسون قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين "