المكانة تكون مصدرا يقال : مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن . وبمعنى المكان يقال : مكان ومكانة ومقام ومقامة . وقوله : " اعملوا على مكانتكم " يحتمل : اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم . أو اعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها . يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حاله ؟ على مكانتك يا فلان أي اثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه " إني عامل " أي عامل على مكانتي التي أنا عليها . والمعنى اثبتوا على كفركم وعداوتكم لي فإني ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم " فسوف تعلمون " أينا تكون له العاقبة المحمودة . وطريقة هذا الأمر طريقة قوله " اعملوا ما شئتم " فصلت : 40 ، وهي التخلية والتسجيل على المأمور بأنه لا يأتي منه إلا الشر فكأنه مأمور به وهو واجب عليه حتم ليس له أن يتفصى عنه ويعمل بخلافه فإن قلت : ما موضع فإن قلت : الرفع إذا كان بمعنى أي وعلق عنه فعل العلم . أو النصب إذا كان بمعنى الذي و " عاقبة الدار " العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الدار لها . وهذا طريق من الإنذار لطيف المسلك فيه إنصاف في المقال وأدب حسن مع تضمن شدة الوعيد والوثوق بأن المنذر محق والمنذر مبطل .
" وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمكم وهذا لشركائهم فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون " .
كانوا يعينون أشياء من حرث ونتاج لله وأشياء منها لآلهتهم فإذا رأوا ما جعلوه لله زاكيا ناميا يزيد في نفسه خيرا رجعوا فجعلوه للآلهة وإذا زكا ما جعلوه للأصنام تركوه لها واعتلوا بأن الله غني وإنما ذاك لحبهم آلهتهم وإيثارهم لها : وقوله : " مما ذرأ " فيه أن الله كان أولى بأن يجعل له الزاكي لأنه هو الذي ذرأه وزكاه ولا يرد إلى ما لا يقدر على ذرء ولا تزكيه " بزعمهم " وقرئ : بالضم أي قد زعموا أنه لله والله لم يأمرهم بذلك ولا شرع لهم تلك القسمة التي هي من الشرك لأنهم أشركوا بين الله وبين أصنامهم في القربة " فلا يصل إلى الله " أي لا يصل إلى الوجوه التي كانوا يصرفونه إليها من قرى الضيفان والتصدق على المساكين " فهو يصل إلى شركائهم " من إنفاق عليها في بذبح النسائك عندها والإجراء على سدنتها ونحو ذلك " ساء ما يحكمون " في إيثار آلهتهم على الله تعالى وعملهم ما لم يشرع لهم .
" وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤكم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون " .
" وكذلك " ومثل ذلك التزيين وهو تزيين الشرك في قسمة القربان بين الله تعالى والآلهة أو مثل ذلك التزيين البليغ الذي هو علم من الشياطين . والمعنى : أن شركاءهم من الشياطين أو من سدنة الأصنام زينوا لهم قتل أولادهم بالوأد أو بنحرهم للآلهة وكان الرجل في الجاهلية يحلف : لئن ولد له كذا غلاما لينحرن أحدهم كما حلف عبد المطلب . وقرئ : زين على البناء للفاعل الذي هو شركاؤهم ونصب " قتل أولادهم " وزين على البناء للمفعول الذي هو القتل ورفع شركاؤهم بإضمار فعل دل عليه زين كأنه قيل : لما قيل زين لهم قتل أولادهم من زينه ؟ فقيل : زينه لهم شركاؤهم . وأما قراءة ابن عامر : قتل أولادهم شركائهم برفع القتل ونصب الأولاد وجر الشركاء على إضافة القتل إلى الشركاء والفصل بينهما بغير الظرف فشيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر لكان سمجا مردودا كما سمج ورد .
زج القلوص أبي مزاده .
فكيف به في الكلام المنثور فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته . والذي حمله على ذلك أن رأى في بعض المصاحف شركائهم مكتوبا بالياء . ولو قرأ بجر الأولاد والشركاء لأق الأولاد شركاؤهم في أموالهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب " ليردهم " ليهلكوهم بالإغواء " وليلبسوا عليهم دينهم " وليخلطوا عليهم ويشبهوه