" وإنه لفسق " الضمير راجع إلى مصدر الفعل الذي دخل عليه حرف اللهي يعني وإن الأكل منه لفسق . أو إلى الموصول على : وإن أكله لفسق أو جعل ما لم يذكر اسم الله عليه في نفسه فسقا . فإن قلت : قد ذهب جماعة من المجتهدين إلى جواز أكل ما لم يذكر اسم الله عليه بنسيان أو عمد . قلت : قد تأوله هؤلاء بالميتة وبما ذكر غير اسم الله عليه : كقوله : " أو فسقا أهل لغير الله به " الأنعام : 145 ، " ليوحون " ليوسوسون " إلى أوليائهم " من المشركين " ليجادلونك " بقولهم : ولا تأكلوا مما قتله الله . وبهذا يرجع تأويل من تأوله بالميتة " إنكم لمشركون " لأن من اتبع غير الله تعالى في دينه فقد أشرك به . ومن حق ذي البصيرة في دينه أن لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه كيفما كان لما يرى في الآية من التشديد العظيم وإن كان أبو حنيفة رحمة الله مرخصا في النسيان دون العمد ومالك والشافعي رحمهما الله فيهما .
" أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا أنفسهم وما يشعرون " .
مثل الذي هداه الله بعد الضلالة ومنحه التوفيق لليقين الذي يميز به بين المحق والمبطل والمهتدي والضال بمن كان ميتا فأحياه الله وجعل له نورا يمشي به في الناس مستضيئا به فيميز بعضهم من بعض ويفصل بين حلاهم ومن بقي على الضلالة بالخابط في الظلمات لا ينفك منها ولا يتخلص ومعنى قوله : " كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " كمن صفته هذه وهي قوله : " في الظلمات ليس بخارج منها " بمعنى : هو في الظلمات ليس بخارج منها كقوله تعالى : " مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار " محمد : 15 ، أي صفتها هذه وهي قوله : " فيها أنهار " . " وزين للكافرين " أي زينه الشيطان أو الله عز وعلا على قوله : " زينا لهم أعمالهم " النمل : 4 ، ويدل عليه قوله : " وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها " يعني : وكما جعلنا في مكة صناديدها ليمكروا فيها كذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها لذلك . ومعناه : خليناهم ليمكروا وما كففناهم عن المكر وخص الأكابر لأنهم هم الحاملون على الضلال والماكرون بالناس كقوله : " أمرنا مترفيها " الإسراء : 16 ، وقرئ : أكبر مجرميها على قولك : هم أكبر قومهم وكابر قومهم " وما يمكرون إلا بأنفسهم " لأن مكرهم يحيق بهم . وهذه تسلية لرسول الله A وتقديم موعد بالنصرة عليهم . روي : أن الوليد بن المغيرة قال : لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك لأني أكبر منك سنا وأكثر منك مالا . وروي : أن أبا جهل قال : زاحمنا بني عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منا نبي يوحى إليه والله لا نرضى به ولا نتبعه أبدا إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت ونحوها قوله تعالى : " بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة " المدثر : 52 .
" وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن بها حتى نؤتى مثل ما أتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون " .
" الله أعلم " كلام مستأنف للإنكار عليهم وأن لا يصطفى للنبوة إلا من علم أنه يصلح لها وهو أعلم بالمكان الذي يضعها فيه منهم " سيصيب الذين أجرموا " من أكابرها " صغار " وقماءة بعد كبرهم وعظمتهم " وعذاب شديد " في الدارين من الأسر والقتل وعذاب النار .
" فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للأسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا سراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون "