أن رسول الله A لم يأذن لأحد أن يجلس في المسجد أو يمر فيه وهو جنب إلا لعلي Bه . لأن بيته كان في المسجد فإن قلت : أدخل في حكم الشرط أربعة : وهم المرضى والمسافرون والمحدثون وأهل الجنابة فيمن تعلق الجزاء الذي هو الأمر بالتيمم عند عدم الماء منهم . قلت : الظاهر أنه تعلق بهم جميعا وأن المرضى إذا عدموا الماء لضعف حركتهم وعجزهم عن الوصول إليه فلهم أن يتيمووا . وكذلك السفر إذا عدموه . لبعده . والمحدثون وأهل الجنابة كذلك إذا لم يجدوه لبعض الأسباب . وقال الزجاج : الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره . وإن كان صخرا لا تراب عليه لو ضرب المتيمم يده عليه ومسح . لكان ذلك طهوره . وهو مذهب أبي حنيفة رحمة الله عليه . فإن قلت : فما يصنع بقوله تعالى في سورة المائدة : " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " المائدة : 6 ، أي بعضه وهذا لا يتأتى في الصخر الذي لا تراب عليه ؟ قلت : قالوا إن من لابتداء الغاية . فإن قلت : قولهم إنها لابتداء الغاية قول متعسف . ولا يفهم أحد من العرب من قول القائل : مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب إلا معنى التبعيض . قلت : هو كما تقول . والإذعان للحق أحق من المراء " إن الله كان عفوا غفورا " كناية عن الترخيص والتيسير . لأن من كانت عادته أن يعفو عن الخطائين ويغفر لهم آثر أن يكون ميسرا غير معسر . فإن قلت : كيف نظم في سلك واحد بين المرضى والمسافرين وبين المحدثين والمجنبين والمرض والسفر سببان من أسباب الرخصة والحدث سبب لوجوب الوضوء . والجنابة سبب لوجوب الغسل ؟ قلت : أراد سبحانه أن يرخص للذين وجب عليهم التطهر وهم عادمون الماء في التيمم بالتراب فخص أول من بينهم مرضاهم وسفرهم لأنهم المتقدمون في استحقاق بيان الرخصة لهم بكثرة المرض والسفر وغلبتهما على سائر الأسباب الموجبة للرخصة ثم عم كل من وجب عليه التطهر وأعوزه الماء لخوف عدو أو سبع أو عدم آلة استسقاء أو إرهاق في مكان لا ماء فيه وغير ذلك مما لا يكثر كثرة المرض والسفر . وقرئ : من غيط قيل هو تخفيف غيط كهين في هين والغيط بمعنى الغائط .
" ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا " " ألم تر " من رؤية القلب وعدى بإلى على معنى : ألم ينته علمك إليهم ؟ أو بمعنى : ألم تنظر إليهم ؟ " أوتوا نصيبا من الكتاب " حظا من علم التوراة وهم أحبار اليهود " يشترون الضلالة " يستبدلونها بالهدى وهو البقاء على اليهودية . بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوة رسول الله A وأنه هو النبي العربي المبشر به في التوراة والإنجيل " ويريدون أن تضلوا " أنتم أيها المؤمنون سبيل الحق كما ضلوه وتنخرطوا في سلكهم لا تكفيهم ضلالتهم ؛ بل يحبون أن يضل معهم غيرهم . وقرئ : أن يضلوا بالياء بفتح الضاد وكسرها " والله أعلم " منكم " بأعدائكم " وقد أخبركم بعداوة هؤلاء وأطلعكم على أحوالهم وما يريدون بكم ؛ فاحذروهم ولا تستنصحوهم في أموركم ولا تستشيروهم " وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا " فثقوا بولايته ونصرته دونهم . أو لا تبالوا بهم فإن الله ينصركم عليهم ويكفيكم مكرهم .
" من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا " " من الذين هادوا " بيان للذين أوتوا نصيبا من الكتاب : لأنهم يهود ونصارى . وقوله : " والله أعلم " " وكفى بالله " " وكفى بالله " جمل توسطت بين البيان والمبين على سبيل الاعتراض أو بيان لأعدائكم وما بينهما اعتراض أو صلة لنصيرا أي ينصركم من الذين هادوا كقوله : " ونصرناه من القوم الذين كذبوا " الأنبياء : 77 ، ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ على أن " يحرفون " صفة مبتدأ محذوف تقديره : من الذين هادوا قوم يحرفون . كقوله : .
وما الدهر إلا تارتان فمنهما ... أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح