أن إبليس قال حين أهبط إلى الأرض : وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام روحه في جسده . فقال تعالى : وعزتي لا أغلق عليه باب التوبة ما لم يغرغر . فإن قلت : ما معنى " من " في قوله : " من قريب " ؟ قلت : معناه التبعيض أي يتوبون بعض زمان قريب كأنه سمى ما بين وجود المعصية وبين حضرة الموت زمانا قريبا ففي أي جزء تاب من أجزاء هذا الزمان فهو تائب من قريب وإلا فهو تائب من بعيد . فإن قلت : ما فائدة قوله : " فأولئك يتوب الله عليهم " بعد قوله : إنما التوبة على الله لهم ؟ قلت : قوله : " إنما التوبة على الله " إعلام بوجوبها عليه كما يجب على العبد بعض الطاعات . وقوله : " فأولئك يتوب عليهم " عدة بأنه يفي بما وجب عليه وإعلام بأن الغفران كائن لا محالة كما يعد العبد الوفاء بالواجب " ولا الذين يموتون " عطف على الذين يعملون السيئات . سوى بين الذين سوفوا توبتهم إلى حضرة الموت وبين الذين ماتوا على الكفر في أنه لا توبة لهم لأن حضرة الموت أول أحوال الآخرة فكما أن المائت على الكفر قد فاتته التوبة على اليقين فكذلك المسوف إلى حضرة الموت لمجاوزة كل واحد منهما أوان التكليف والاختيار " أولئك أعتدنا لهم " في الوعيد نظير قوله : " فأولئك يتوب الله عليهم " في الوعد ليتبين أن الأمرين كائنان لا محالة . فإن قلت : من المرااد بالذين يعملون السيئات . أهم الفساق من أهل القبلة أم الكفار ؟ قلت : فيه وجهان : أحدهما أن يراد الكفار لظاهر قوله : " وهم كفار " وأن يراد الفساق لأن الكلام إنما وقع في الزانيين والإعراض عنهما إن تابا وأصلحا ويكون قوله : " وهم كفار " ورادا على سبيل التغليظ كقوله : " ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " آل عمران : 97 ، وقوله : فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر لأن من كان مصدقا ومات وهو لم يحدث نفسه بالتوبة حاله قريبة من حال الكافر لأنه لا يجترئ على ذلك إلا قلب مصمت .
" يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإنن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا " كان يبلون النساء بضروب من البلايا ويظلمونهن بأنواع من الظلم فزجروا عن ذلك كان الرجل إذا مات له قريب من أب أو أخر أو حميم عن امرأة ألقى ثوبه عليها وقال أنا أحق بها من كل أحد . فقيل " لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها " أي أن تأخذوهن على سبيل الإرث كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك أو مكرهات . وقيل : كان يمسكها حتى تموت . فقيل : لا يحل لكم أن تمسكوهن حتى ترثوا منهن سوء العشرة والقهر . لتفتدي منه بمالها وتختلع فقيل : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن . والعضل : الحبس والتضييق . ومنه : عضلت المرأة بولدها إذا اختنقت رحمها به فخرج بعضه وبقي بعضه " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " وهي النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله بالبذاء والسلاطة أي إلا أن يكون سوء العشرة من جهتهن فقد عذرتم في طلب الخلع . ويدل عليه قراءة أبي : إلا أن يفحشن عليكم وعن الحسن : الفاحشة الزنا فإن فعلت حل لزوجها أن يسألها الخلع . وقيل : كانوا إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها . وعن أبي قلابة ومحمد بن سيرين : لا يحل الخلع حتى يوجد رجل على بطنها . وعن قتادة : لا يحل له أن يحبسها ضرارا حتى تفتدي منه يعني وإن زنت . وقيل : نسخ ذلك بالحدود وكانوا يسيئون معاشرة النساء فقيل لهم : " وعاشروهن بالمعروف " وهو النصفة في المبيت والنفقة والإجمال في القول : " فإن كرهتموهن " فلا تفارقوهن لكراهة الأنفسو حدها فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين وأحمد وأدنى إلى الخير وأحبت ما هو بضد ذلك ولكن للنظر في أسباب الصلاح .
" وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا " وكان الرجل إذا طمحت عينه إلى استطراف امرأة ؟ بهت التي تحته ورماها بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى تزوج غيرها . فقيل : " وإن أردتم استبدال زوج " الآية . والقنطار : المال العظيم من قنطرت الشيء إذا رفعته ومنه القنطرة لأنها بناء مشيد . قال :