" تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين " " تلك " إشارة إلى الأحكام التي ذكرت في باب اليتامى والوصايا والمواريث . وسماها حدودا لأن الشرائع كالحدود المضروبة الموقتة للمكلفين لا يجوز لهم أن يتجاوزوها ويتخطوها إلى ما ليس لهم بحق " يدخله " قرئ بالياء والنون وكذلك " يدخله نارا " وقيل : يدخله وخالدين حملا على لفظ من ومعناه . وانتصب خالدين وخالدا على الحال . فإن قلت : هل يجوز أن يكونا صفتين لجنات ونارا ؟ قلت : لا لأنهما جريا على غير من هما له . فلابد من الضمير وهو قولك : خالدين هم فيها . وخالدا هو فيها .
" واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا والذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما " " يأتين الفاحشة " يرهقنها . يقال أتى الفاحشة وجاءها وغشيها ورهقها بمعنى . وفي قراءة ابن مسعود : يأتين بالفاحشة . والفاحشة : الزنا لزيادتها في القبح على كثير من القبائح " فأمسكوهن في البيوت " قيل معناه : فخلدوهن محبوسات في بيوتكم وكان ذلك عقوبتهن في أول الإسلام . ثم نسخ بقوله تعالى : " الزانية والزاني... " الآية النور : 2 ، ويجوز أن تكون غير منسوخة بأن يترك ذكر الحد لكونه معلوما بالكتاب والسنة ويوصي بإمساكهن في البيوت بعد أن يحددن صيانة لهن عن مثل ما جرى عليهن بسبب الخروج من البيوت والتعرض للرجال " أو يجعل الله لهن سبيلا " هو النكاح الذي يستغنين به عن السفاح . وقيل : السبيل هو الحد لأنه لم يكن مشروعا ذلك الوقت . فإن قلت : ما معنى يتوفاهن الموت - والتوفي والموت بمعنى واحد كأنه قيل : حتى يميتهن الموت - ؟ قلت : يجوز أن يراد حتى يتوفاهن ملائكة الموت كقوله : " الذين تتوفاهم الملائكة " النحل : 28 ، " إن الذين توفاهم الملائكة " النساء : 97 ، " قل يتوفاكم ملك الموت " السجدة : 11 ، أو حتى يأخذهن الموت ويستوفي أرواحهن " والذان يأتيانها منكم " يريد الزاني والزانية " فآذوهما " فوبخوهما وذموهما وقولوا لهما : أما استحيتما أما خفتما الله " فإن تابا وأصلحا " وغير الحال " فأعرضوا عنهما " واقطعوا التوبيخ والمذمة فإن التوبة تمنع استحقاق الذم والعقاب ويحتمل أن يكون خطابا للشهود العاثرين على سرهما ويراد بالإيذاء ذمهما وتعنيفهما وتهديدهما بالرفع إلى الإمام والحد فإن تابا قبل الرفع إلى الإمام فأعرضوا عنهما ولا تتعرضوا لهما . وقيل : نزلت الأولى في السحاقات وهذه في اللواطين . وقرئ : واللذان بتشديد النون . واللذأن : بالهمزة وتشديد النون .
" إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما " " التوبة " من تاب الله عليه إذا قبل توبته وغفر له يعني إنما القبول والغفران واجب على الله تعالى لهؤلاء " بجهالة " في موضع الحال أي يعملون السوء جاهلين سفهاء لأن ارتكاب القبيح مما يدعو إليه السفه والشهوة لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل . وعند مجاهد : من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته " من قريب " من زمان قريب . والزمان القريب : ما قبل حضرة الموت . ألا ترى إلى قوله : " حتى إذا حضر أحدهم الموت " فبين أن وقت الاحتضار وهو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة فبقي ما وراء ذلك في حكم القريب . وعن ابن عباس : قبل أن ينزل به سلطان الموت . وعن الضحاك : كل توبة قبل الموت فهو قريب . وعن النخعي : ما لم يؤخذ بكظمه . وروى أبو أيوب عن النبي A : " إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " وعن عطاء : ولا قبل موته بفواق ناقة .
وعن الحسن :