" السفهاء " المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي ولا يدى لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها . والخطاب للأولياء : وأضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم كما قال : " ولا تقتلوا أنفسكم " النساء : 79 ، " فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات " النساء : 25 ، والدليل على أنه خطاب للأولياء في أموال اليتامى قوله : " وارزقوهم فيها واكسوهم " " جعل الله لكم قياما " أي تقومون بها وتنتعشون ولو ضيعتموها لضعتم فكأنها في أنفسها قيامكم وانتعاشكم . وقرئ : قيما بمعنى قياما كما جاء عوذا بمعنى عياذا . وقرأ عبد الله بن عمر : قواما بالواو . وقوام الشيء : ما يقام به كقولك هو ملاك الأمر لما يملك به . وكان السلف يقولون : المال سلاح المؤمن ولأن أترك ما لا يحاسبني الله عليه خير من أن أحتاج إلى الناس . وعن سفيان - وكانت له بضاعة يقلبها - : لولاها لتمندل بني بنو العباس . وعن غيره - وقيل له إنها تدنيك من الدنيا - : لئن أدنتني من الدنيا لقد صانتني عنها . وكانوا يقولون : اتجروا واكتسبوا فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه وربما رأوا رجلا في جنازة فقالوا له : اذهب إلى دكانك " وارزقوهم فيها " واجعلوها مكانا لرزقهم بأن تتجروا فيها وتتربحوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فلا يأكلها الإنفاق . وقيل : هو أمر لكل أحد أن لا يخرج ماله إلى أحد من السفهاء قريب أو أجنبي رجل أو امرأة يعلم أنه يضعه فيما لا ينغبي ويفسده " قولا معروفا " قال ابن جريج : عدة جميلة إن صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم . وعن عطاء : إذا ربحت أعطيتك وإن غنمت في غزاتي جعلت لك حظا . وقيل : إن لم يكن ممن وجبت عليك نفقته فقل : عافانا الله وإياك بارك الله فيك . وكل ما سكنت إليه النفس وأحبته لحسنه عقلا أو شرعا من قول أو عمل فهو معروف وما أنكرته ونفرت منه لقبحه فهو منكر .
" وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا " " وابتلوا اليتامى " واختبروا عقولهم وذوقوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل البلوغ حتى إذا تبينتم منهم رشدا - أي هداية - دفعتم إليهم أموالهم من غير تأخير عن حد البلوغ . وبلوغ النكاح . أن يحتلم لأنه يصلح للنكاح عنده ولطلب ما هو مقصود به وهو التوالد والتناسل . والإيناس : الاستيضاح فاستعير للتبيين . واختلف في الابتلاء والرشد فالابتلاء عند أبي حنيفة وأصحابه : أن يدفع إليه ما يتصرف فيه حتى يستبين حاله فيما يجيء منه . والرشد : التهدي إلى وجوه التصرف . وعن ابن عباس : الصلاح في العقل والحفظ للمال . وعند مالك والشافعي : الابتلاء أن يتتبع أحواله وتصرفه في الأخذ والإعطاء ويتبصر مخايله وميله إلى الدين . والرشد : الصلاح في الدين لأن الفسق مفسدة للمال . فإن قلت : فإن لم يؤنس منه رشد إلى حد البلوغ ؟ قلت : عند أبي حنيفة C ينتظر إلى خمس وعشرين سنة لأن مدة بلوغ الذكر عنده بالسن ثماني عشرة سنة فإذا زادت عليها سبع سنين وهي مدة معتبرة في تغير أحوال الإنسان لقوله E : " مروهم بالصلاة لسبع " دفع إليه ماله أونس منه الرشد أو لم يؤنس . وعند أصحابه : لا يدفع إليه أبدا إلا بإيناس الرشد . فإن قلت : ما معنى تنكير الرشد ؟ قلت : معناه نوعا من الرشد وهو الرشد في التصرف والتجارة أو طرفا من الرشد ومخيلة من مخايله حتى لا ينتظر به تمام الرشد . فإن قلت : كيف نظم هذا الكلام ؟ قلت : ما بعد " حتى " إلى " فادفعوا إليهم أموالهم " جعل غاية للابتلاء وهي حتى التي تقع بعدها الجمل . كالتي في قوله : .
فما زالت القتلى تمج دماءها ... بدجلة حتى ماء دجلة أشكل .
والجملة الواقعة بعدها جملة شرطية لأن إذا متضمنة معنى الشرط وفعل الشرط بلغوا النكاح وقوله : " فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " جملة من شرط وجزاء واقعة جوابا للشرط الأول الذي هو إذا بلغوا النكاح فكأنه قيل : وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم فاستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم . وقرأ ابن مسعود : فإن أحسيتم بمعنى أحسستم قال :