" قل موتوا بغيظكم " دعاء عليهم بأن يزداد غيظهم حتى يهلكوا به والمراد بزيادة الغيظ زيادة ما يغيظهم من قوة الإسلام وعز أهله وما لهم في ذلك من الذل والخزي والتبار " إن الله عليم بذات الصدور " فهو يعلم ما في صدور المنافقين من الحنق والبغضاء وما يكون منهم في حال خلو بعضهم ببعض وهو كلام داخل في جملة المقول أو خارج منها . فإن قلت : فكيف معناه على الوجهين ؟ قلت إذا كان داخلا في جملة المقول فمعناه : أخبرهم بما يسرونه من عضهم الأنامل غيظا إذا خلوا وقل لهم إن الله عليم بما هو أخفى مما تسرونه بينكم وهو مضمرات الصدور فلا تظنوا أن شيئا من أسراركم يخفى عليه . وإذا كان خارجا فمعناه : قل لهم ذلك يا محمد ولا تتعجب من إطلاعي إياك على ما يسرون فإني أعلم ما هو أخفى من ذلك وهو ما أضمروه في صدورهم ولم يظهروه بألسنتهم . ويجوز أن لا يكون ثم قول وأن يكون قوله : " قل موتوا بغيظكم " آل عمران : 119 ، أمرا لرسول الله A بطيب النفس وقوة الرجاء والاستبشار بوعد الله أن يهلكوا غيظا بإعزاز الإسلام وإذلالهم به كأنه قيل : حدث نفسك بذلك .
" إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما تعملون محيط " الحسنة : الرخاء والخصب والنصرة والغنيمة ونحوها من المنافع . والسيئة ما كان ضد ذلك وهو بيان لفرط معاداتهم حيث يحسدونهم على ما نالهم من الخير ويشمتون بهم فيما أصابهم من الشدة . فإن قلت : كيف وصفت الحسنة بالمس والسيئة بالإصابة ؟ قلت : المس مستعار لمعنى الإصابة فكان المعنى واحدا . ألا ترى إلى قوله : " إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة " التوبة : 50 ، " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " " إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا " المعارج : 21 - 21 . " وإن تصبروا " على عداوتهم " وتتقوا " ما نهيتم عنه من موالاتهم . أو وإن تصبروا على تكاليف الدين ومشاقه وتتقوا الله في اجتنابكم محارمه كنتم في كنف الله فلا يضركم كيدهم . وقرئ لا يضركم من ضاره يضيره . ويضركم على أن ضمة الراء لإتباع ضمة الضاد كقولك مد يا هذا . وروى المفضل عن عاصم لا يضركم بفتح الراء وهذا تعليم من الله وإرشاد إلى أن يستعان على كيد العدو بالصبر والتقوى . وقد قال الحكماء : إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضلا في نفسك " إن الله بما تعملون " من الصبر والتقوى وغيرهما " محيط " ففاعلبكم ما أنتم أهله . وقرئ بالياء بمعنى أنه عالم بما يعملون في عداوتكم فمعاقبهم عليه .
" وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون " " و " اذكر " إذ غدوت من أهلك " بالمدينة وهو غدوه إلى أحد من حجرة عائشة Bها . روي :