وجاء زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها فقال : هذه في سبيل الله فحمل عليها رسول الله أسامة بن زيد فكأن زيدا وجد في نفسه وقال : إنما أردت أن أتصدق به . فقال رسول الله A : أما إن الله تعالى قد قبلها منك . وكتب عمر Bه إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى فلما جاءت أعجبته فقال : إن الله تعالى يقول : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " فأعتقها . ونزل بأبي ذر ضيف فقال للراعي ائتني بخير إبلي فجاء بناقة مهزولة . فقال : خنتني قال : وجدت خير الإبل فحلها فذكرت يوم حاجتكم إليه فقال : إن يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي . وقرأ عبد الله : حتى تنفقوا بعض ما تحبون . وهذا دليل على أن من في " مما تحبون " للتبعيض . ونحوه : أخذت من المال . ومن في " من شيء " لتبيين ما تنفقوا أي من أي شيء كان طيبا تحبونه أو خبيثا تكرهونه " فإن الله " عليم بكل شيء تنفقونه فمجازيكم بحسبه .
" كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون " " كل الطعام " كل المطعومات أو كل أنواع الطعام . والحل مصدر . يقال : حل الشيء حلا كقولك : ذلت الدابة ذلا وعز الرجل عزا وفي حديث عائشة Bها : كنت أطيبه لحله وحرمه . ولذلك استوى في الوصف به المذكر والمؤنث والواحد والجمع . قال الله تعالى " " لا هن حل لهم " الممتحنة : 10 ، والذي حرم إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام على نفسه لحوم الإبل وألبانها وقيل العروق . كان به عرق النسا فنذر إن شفي أن يحرم على نفسه أحب الطعام إليه وكان ذلك أحبه إليه فحرمه . وقيل : أشارت عليه الأطباء باجتنابه ففعل ذلك بإذن من الله فهو كتحريم الله ابتداء والمعنى أن المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل إنزال التوراة وتحريم ما حرم عليها منها لظلمهم وبغيهم لم يحرم منها شيء قبل ذلك غير المطعوم الواحد الذي حرمه أبوهم إسرائيل على نفسه فتبعوه على تحريمه وهو رد على اليهود وتكذيب لهم حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نعى عليهم في قوله تعالى : " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم " النساء : 16 ، إلى قوله تعالى : " عذابا أليما " النساء : 18 ، وفي قوله : " وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما " الأنعام : 146 ، إلى قوله : " ذلك جزيناهم ببغيهم " الأنعام : 146 ، وجحود ما غاظهم واشمأزوا منه وامتعضوا مما نطق به القرآن من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم وظلمهم فقالوا : لسنا بأول من حرمت عليه وما هو إلا تحريم قديم كانت محرمة على نوح وعلى إبراهيم ومن بعده من بني إسرائيل وهلم جرا إلى أن انتهى التحريم إلينا فحرمت علينا كما حرمت على من قبلنا . وغرضهم تكذيب شهادة الله عليهم بالبغي والظلم والصد عن سبيل الله وأكل الربا وأخذ أموال الناس بالباطل وما عدد من مساويهم التي كلما ارتكبوا منها كبيرة حرم عليهم نوع من الطيبات عقوبة لهم " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها " أمر بأن يحاجهم بكتابهم ويبكتهم مما هو ناطق به من أن تحريم ما حرم عليهم تحريم حادث بسبب ظلمهم وبغيهم لا تحريم قديم كما يدعونه فروي أنهم لم يجسروا على إخراج التوراة وبهتوا وانقلبوا صاغرين وفي ذلك الحجة البينة على صدق النبي A وعلى جواز النسخ الذي ينكرونه " فمن افترى على الله الكذب " بزعمه أن ذلك كان محرما على بني إسرائيل قبل إنزال التوراة من بعد ما لزمهم من الحجة القاطعة " فأولئك هم الظالمون " المكابرون الذين لا ينصفون من أنفسهم ولا يلتفتون إلى البينات .
" قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " " قل صدق الله " تعريض بكذبهم كقوله : " ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون " الأنعام : 146 ، أي ثبت أن الله صادق فيما أنزل وأنتم الكاذبون " فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا " وهي ملة الإسلام التي عليها محمد ومن آمن معه حتى تتخلصوا من اليهودية التي ورطتكم في فساد دينكم ودنياكم حيث اضطرتكم إلى تحريف كتاب الله لتسوية أغراضكم وألزمتكم تحريم الطيبات التي أحلها الله لإبراهيم ولمن تبعه