" إذ قال الله " ظرف لخير الماكرين أو لمكر الله " إني متوفيك " أي مستوفي أجلك . معناه : إني عاصمك من أن يقتلك الكفار ؛ ومؤخرك إلى أجل كتبته لك . ومميتك حتف أنفك لا قتيلا بأيديهم " ورافعك إلي " إلى سمائي ومقر ملائكتي " ومطهرك من الذين كفروا " من سوء جوارهم وخبث صحبتهم . وقيل متوفيك : قابضك من الأرض من توفيت مالي على فلان إذا استوفيته : وقيل : مميتك في وقتك بعد النزول من السماء ورافعك الآن : وقيل : متوفي نفسك بالنوم من قوله : " والتي لم تمت في منامها " الزمر : 42 ، ورافعك وأنت نائم حتى لا يلحقك خوف وتستيقظ وأنت في السماء آمن مقرب " فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة " يعلونهم بالحجة وفي أكثر الأحوال بها وبالسيف ومتبعوه هم المسلمون لأنهم متبعوه في أصل الإسلام وإن اختلفت الشرائع دون الذين كذبوه وكذبوا عليه من اليهود والنصارى " فأحكم بينكم " تفسير الحكم قوله : " فأعذبهم... . فنوفيهم أجورهم " وقرئ فيوفيهم بالياء .
" ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم " " ذلك " إشارة إلى ما سبق من نبأ عيسى وغيره وهو مبتدأ خبره " نتلوه " و " من الآيات " خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف . ويجوز أن يكون بمعنى الذي ونتلوه صلته . ومنالآيات الخبر ويجوز أن ينتصب ذلك بمضمر يفسره نتلوه " والذكر الحكيم " القرآن وصف بصفة من هو سببه أو كأنه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه .
" إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " " إن مثل عيسى " إن شاء عيسى وحاله الغريبة كشأن آدم . وقوله : " خلقه من تراب " جملة مفسرة لما له شبه عيسى بآدم أي خلق آدم من تراب ولم يكن ثمة أب ولا أم وكذلك حال عيسى . فإن قلت : كيف شبه به وقد وجد هو من غير أب ووجد آدم من غير أب وأم ؟ قلت : هو مثيله في إحدى الطرفين فلا يمنع اختصاصه دونه بالطرف الآخر من تشبيهه به لأن المماثلة مشاركة في بعض الأوصاف ولأنه شبه به في أنه وجد وجودا خارجا عن العادة المستمرة وهما في ذلك نظيران ولأن الوجود من غير أب وأم أغرب وأخرق للعادة من الوجود بغير أب فشبه الغريب بالأغرب ؛ ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه . وعن بعض العلماء أنه أسر بالروم فقال لهم : لم تعبدون عيسى قالوا : لأنه لا أب له . قال : فآدم أولى لأنه لا أبوين له . قالوا : كان يحيي الموتى . قال : فحزقيل أولى لأن عيسى أحيا أربعة نفر وأحيا حزقيل ثمانية آلاف . قالوا : كان يبرئ الأكمه والأبرص . قال : فجرجيس أولى لأنه طبخ وأحرق ثم قام سالما . " خلقه من تراب " قدره جسدا من طين " ثم قال له كن " أي أنشأه بشرا كقوله " ثم أنشأناه خلقا آخر " المؤمنون : 14 ، " فيكون " حكاية حال ماضية .
" الحق من ربك " " الحق من ربك فلا تكن من الممترين " خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق كقول أهل خيبر : محمد والخميس ونهيه عن الامتراء - وجل رسول الله A أن يكون ممتريا - من باب التهييج لزيادة الثبات والطمأنينة وأن يكون لطفا لغيره .
" فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " " فمن حاجك " من النصارى " فيه " في عيسى " من بعد ما جاءك من العلم " أي من البينات الموجبة للعلم " تعالوا " هلموا . والمراد المجيء بالرأي والعزم كما تقول تعال نفكر في هذه المسألة " ندع أبناءنا وأبناءكم " أي يدع كل مني ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة " ثم نبتهل " ثم نتباهل بأن نقول بهلة الله على الكاذب منا ومنكم . والبهلة بالفتح والضم : اللعنة . وبهله الله لعنه وأبعده من رحمته من قولك أبهله إذا أهمله . وناقة باهل : لاصرار عليها وأصل الابتهال هذا ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن التعانا . وروي :