ويحتمل أن لا تكون بيانا للمتقين وتكون صفة برأسها لمحالة على فعل الطاعات ويراد بالمتقين الذين يجتنبون المعاصي . ويحتمل أن تكون مدحا للموصوفين بالتقوى وتخصيصا للإيمان بالغيب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة بالذكرة إظهارا لإنافتها عن سائر ما يدخل تحت حقيقة هذا الاسم من الحسنات .
والإيمان : إفعال من الأمن . يقال : أمنته وآمنته غيري . ثم يقال : امنه إذا صدقه . وحقيقته : آمنه التكذيب والمخالفة . وأما تعديته بالباء فلتضمينه معنى أقر وأعترف . وأما ما حكى أبو زيد عن العرب : ما آمنت أن أجد صحابة - أي ما وثقت - فحقيقته : صرت ذا أمن به أي ذا سكون وطمأنينة وكلا الوجهين حسن في " يؤمنون بالغيب " أي يعترفون به أو يثقون بأنه حق . ويجوز أن لا يكون " بالغيب " صلة للإيمان وأن يكون في موضع الحال أي يؤمنون غائبين عن المؤمن به . وحقيقته : ملتبسين بالغيب كقوله " الذين يخشون ربهم بالغيب " فاطر : " ليعلم أني لم أخنه بالغيب " يوسف : . ويعضده ما روى أن أصحاب عبد الله ذكروا أصحاب رسول الله A وإيمانهم فقال ابن مسعود : إن أمر محمد كان بينا لمن رآه . والذي لا إله غيره ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ هذه الاية . فإن قلت : فما المراد بالغيب إن جعلته صلة . وغان جعلته حالا ؟ قلت : إن جعلته صلة كان بمعنى الغائب إما تسمية بالمصدر من قولك غاب الشيء غيبا كما سمي الشاهد بالشهادة . قال الله تعالى : " عالم الغيب والشهادة " الزمر والعرب تسمى المطمئن من الأرض غيبا . وعن النضر بن شميل : شربت الإبل حتى وارت غيوب كلاها . يريد بالغيب : الخمصة التي تكون في موضع الكلية إذا بطنت الدابة انتفخت . وإما أن يكون فيعلا فخفف كما قيل وأصله : قيل : والمراد به الخفي الذي لا ينفذ فيه ابتداء إلا علم اللطيف الخبير هوإنما نعلم منه نحن ما أعلمناه أو نصب لنا دليلا عليه . ولهذا لا يجوز أن يطلق فيقال : فلان يعلم الغيب . وذلك نحو الصانع وصفاته والنبوات وما يتعلق بها والبعث والنشور والحساب والوعد والوعيد وغير ذلك . وإن جعلته حالا كان بمعنى الغيبة والخفاء . فإن قلت : ما الإيمان الصحيح ؟ قلت : أن يعتقد الحق ويعرب عنه بلسانه ويصدقه بعمله . فمن أخل بالاعتقاد - وإن شهد وعمل - فهو منافق . ومن أخل بالشهادة فهو كافر . ومن أخل بالعمل فهو فاسق .
ومعنى إقامة الصلاة تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في فرائضها وسننها وآدابها من أقام العود - إذا قومه - أو الدوام عليها والمحافظة عليها كما قال عز وعلا : " الذين هم على صلاتهم دائمون " المعارج " والذين هم على صلواتهم يحافظون " المؤمنون : من قامت السوق إذا نفقت وأقامها . قال : .
أقامت غزالة سوق الضراب ... لأهل العراقين حولا قميطا .
لأنها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الني تتوجه إليه الرغبات ويتنافس فيه المحصلون . لماذا عطلت وأضيعت كانت كالشيء الكاسد الذي لايرغب فيه . أو التجلد والتشمر لأدائها . وأن لا يكون في مؤديها فتور عنها ولا توان من قولهم : قام بالأمر وقامت الحرب على ساقها . وفي ضده : قعد عن الأمر وتقاعد عنه - إذا تقاعس وتثبط - أو أداؤها فعبر عن الأداء بالإقامة لأن القيام بعض أركانها كما عبر عنه بالقنوت - والقنوت القيام - وبالركوع وبالسجود وقالوا : سبح إذا صلى لوجود التسبيح فيها . " فلولا أنه كان من المسبحين " الصافات .
والصلاة : فعلة من صلى كالزكاة من زكى . وكتابتها بالواو على لفظ المفخم . وحقيقة صلى : حرك الصلوين لأن المصلي يفعل ذلك في ركوعه وسجوده . ونظيره كفر اليهودي إذا طأطأ رأسه وانحنى عند تعظيم صاحبه لأنه ينثني على الكاذتين وهما الكافرتان . وقيل للداعي : مصل تشبيها في تخشعه بالراكع والساجد