فاستعير لمن لا يدخل في اللعب واللهو . وقد روي أنه مر وهو طفل بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال : ما للعب خلقت " من الصالحين " ناشئا من الصالحين لأنه كان من أصلاب الأنبياء أو كائنا من جملة الصالحين كقوله : " وإنه في الآخرة لمن الصالحين " البقرة : 130 . " أنى يكون لي غلام " استبعاد من حيث العادة كما قالت مريم . " وقد بلغني الكبر " كقولهم : أدركته السن العالية . والمعنى أثر في الكبر فأضعفني وكانت له تسع وتسعون سنة ولامرأته ثمان وتسعون " كذلك " أي يفعل الله ما يشاء من الأفعال العجيبة مثل ذلك الفعل وهو خلق الولد بين الشيخ الفاني والعجوز العاقر أو كذلك الله مبتدأ وخبر أي على نحو هذه الصفة الله ويفعل ما يشاء بيان له أي يفعل ما يريد من الأفاعيل الخارقة للعادات " آية " علامة أعرف بها الحبل لأتلقى النعمة إذا جاءت بالشكر " قال آيتك ألا " تقدر على تكليم الناس " ثلاثة أيام " وإنما خص تكليم الناس ليعلمه أنه يحبس لسانه عن القدرة على تكليمهم خاصة مع إبقاء قدرته على التكليم بذكر الله ولذلك قال : " واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار " يعني في أيام عجزك عن تكليم الناس وهي من الآيات الباهرة . فإن قلت : لم حبس لسانه عن كلام الناس ؟ قلت : ليخلص المدة لذكر الله لا يشغل لسانه بغيره توفرا منه على قضاء حق تلك النعمة الجسيمة وشكرها الذي طلب الآية من أجله كأنه لما طلب الآية من أجل الشكر قيل له : آيتك أن تحبس لسانك إلا عن الشكر . وأحسن الجواب وأوقعه ما كان مشتقا من السؤال . ومنتزعا منه " إلا رمزا " إلا إشارة بيد أو رأس أو غيرهما وأصله التحرك . يقال ارتمز : إذا تحرك . ومنه قيل للبحر الراموز . وقرأ يحيى ابن وثاب إلا رمزا بضمتين جمع رموز كرسول ورسل . وقرئ : رمزا بفتحتين جمع رامز كخادم وخدم وهو حال منه ومن الناس دفعة كقوله : .
متى ما تلقني فردين ترجف ... روانف إليتيك وتستطارا .
بمعنى إلا مترامزين كما يكلم الناس الأخرس بالإشارة ويكلمهم . والعشي : من حين تزول الشمس إلى أن تغيب . و " الإبكار " من طلوع الفجر إلى وقت الضحى . وقرئ والأبكار بفتح الهمزة جمع بكر كسحر وأسحار . يقال : أتيته بكرا بفتحتين . فإن قلت : الرمز ليس من جنس الكلام ؛ فكيف استثنى منه ؟ قلت : لما أدى مؤدى الكلام وفهم منه ما يفهم منه سمي كلاما . ويجوز أن يكون استثناء منقطعا .
" وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين " " يا مريم " روي أنهم كلموها شفاها معجزة لزكريا أو إرهاصا لنبوة عيسى " اصطفاك " أولا حين تقبلك من أمك ورباك واختصك بالكرامة السنية " وطهرك " مما يستقذر من الأفعال ومما قرفك به اليهود " واصطفاك " آخرا " على نساء العالمين " بأن وهب لك عيسى من غير أب ؛ ولم يكن ذلك لأحد من النساء . أمرت بالصلاة بذكر القنوت والسجود ؛ لكونهما من هيآت الصلاة وأركانها ؛ ثم قيل لها " واركعي مع الراكعين " بمعنى : ولتكن صلاتك مع المصلين أي في الجماعة ؛ أو انظمي نفسك في جملة المصلين وكوني معهم في عدادهم ولا تكوني في عداد غيرهم . ويحتمل أن يكون في زمانها من كان يقوم ويسجد في صلاته ولا يركع وفيه من يركع فأمرت بأن تركع مع الراكعين ولا تكون مع من لا يركع .
" ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون "