الواقعة : 76 ، فإن قلت : فلم ذكرت تسميتها مريم لربها ؟ قلت : لأن مريم في لغتهم بمعنى العابدة فأرادت بذلك التقريب والطلب إليه أن يعصمها حتى يكون فعلها مطابقا لاسمها وأن يصدق فيها ظنها بها . ألا ترى كيف أتبعته طلب الإعاذة لها ولولدها من الشيطان وإغوائه . وما يروى من الحديث . لواقعة : 76 ، فإن قلت : فلم ذكرت تسميتها مريم لربها ؟ قلت : لأن مريم في لغتهم بمعنى العابدة فأرادت بذلك التقريب والطلب إليه أن يعصمها حتى يكون فعلها مطابقا لاسمها وأن يصدق فيها ظنها بها . ألا ترى كيف أتبعته طلب الإعاذة لها ولولدها من الشيطان وإغوائه . وما يروى من الحديث .
" ما من مولد يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها " فالله أعلم بصحته . فإن صح فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين وكذلك كل من كان في صفتهما كقوله تعالى : " لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين " الحجر : 40 - 41 ، واستهلاله صارخا من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه ويقول : هذا ممن أغويه ونحوه من التخييل قول ابن الرومي : .
لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطفل ساعة يولد .
وأما حقيقة المس والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلا ولو سلط إبليس على الناس بنخسهم لامتلأت الدنيا صراخا وعياطا مما يبلونا به من نخسه " فتقبلها ربها " فرضي بها في النذر مكان الذكر " بقبول حسن " فيه وجهان : أحدهما أن يكون القبول اسم ما تقبل به الشيء كالسعوط واللدود لما يسعط به ويلد وهو اختصاصه لها بإقامتها مقام الذكر في النذر ولم يقبل قبلها أنثى في ذلك أو بأن تسلمها من أمها عقيب الولادة قبل أن تنشأ وتصلح للسدانة . وروي : أن حنة حين ولدت مريم لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة فقالت لهم : دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم وكانت بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم فقال لهم زكريا : أنا أحق بها عندي خالتها فقالوا : لا حتى نقترع عليها فانطلقوا - وكانوا سبعة وعشرين - إلى نهر فألقوا فيه أقلامهم فارتفع قلم زكريا فوق الماء ورسبت أقلامهم فتكفلها . والثاني : أن يكون مصدرا على تقدير حذف المضاف بمعنى : فتقبلها بذي قبول حسن أي بأمر ذي قبول حسن وهو الاختصاص . ويجوز أن يكون معنى " فتقبلها " فاستقبلها كقولك : تعجله بمعنى استعجله وتقصاه بمعنى استقصاه وهو كثير في كلامهم من استقبل الأمر إذا أخذه بأوله وعنفوانه قال القطامي : .
وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبعه اتباعا .
ومنه المثل خذ الأمر بقوابله . أي فأخذها في أول أمرها حين ولدت بقبول حسن " وأنبتها نباتا حسنا " مجاز عن التربية الحسنة العائدة عليها بما يصلحها في جميع أحوالها . وقرئ : وكفلها زكريا بوزن وعملها " وكفلها زكريا " بتشديد الفاء ونصب زكرياء والفعل لله تعالى بمعنى : وضمها إليه وجعله كافلا لها وضامنا لمصالحها . ويؤيدها قراءة أبي : وأكفلها من قوله تعالى : " فقال أكفلنيها " ص : 23 ، وقرأ مجاهد : فتقبلها ربها وأنبتها وكفلها على لفظ الأمر في الأفعال الثلاثة ونصب ربها تدعو بذلك أي فاقبلها يا ربها وربها واجعل زكريا كافلا لها . قيل : بنى لها زكريا محرابأ في المسجد أي غرفة يصعد إليها بسلم . وقيل : المحراب أشرف المجالس ومقدمها كأنها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس . وقيل : كانت مساجدهم تسمى المحاريب . وروي : أنه كان لا يدخل عليها إلا هو وحده وكان إذا خرج غلق عليها سبعة أبواب . " وجد عندها رزقا " كان رزقها ينزل عليها منالجنة ولم ترضع ثديا قط فكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء " أنى لك هذا " من أين لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا وهو آت في غير حينه والأبواب مغلقة عليك لا سبيل للداخل به إليك " قالت هو من عند الله " فلا تستبعد . قيل تكلمت وهي صغيرة كما تكلم عيسى وهو في المهد . وعن النبي A