" زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار " " زين للناس " المزين هو الله سبحانه وتعالى للابتلاء كقوله : " إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم " الكهف : 7 ، ويدل عليه قراءة مجاهد : زين للناس على تسمية الفاعل . وعن الحسن : الشيطان . والله زينها لهم لأنا لا نعلم أحدا أذم لها من خالقها " حب الشهوات " جعل الأعيان التي ذكرها شهوات مبالغة في كونها مشتهاة محروصا على الاستمتاع بها . والوجه أن يقصد تخسيسها فيسميها شهوات لأن الشهوة مسترذلة عند الحكماء مذموم من اتبعها شاهد على نفسه بالبهيمية وقال : " زين للناس حب الشهوات " ثم جاء التفسير ليقرر أولا في النفوس أن المزين لهم حبه ما هو إلا شهوات لا غير ثم يفسره بهذه الأجناس فيكون أقوى لتخسيسها وأدل على ذم من يستعظمها ويتهالك عليها ويرجح طلبها على طلب ما عند الله . والقنطار : المال الكثير . قيل : ملء مسك ثور . وعن سعيد بن جبير : مائة الف دينار . ولقد جاء الإسلام يوم جاء وبمكة مائة رجل قد قنطروا . و " المقنطرة " مبنية من لفظ القنطار للتوكيد كقولهم : ألف مؤلفة وبدرة مبدرة . و " المسومة " المعلمة من السومة وهي العلامة . أو المطهمة أو المرعية من اسام الدابة وسومها " والأنعام " الأزواج الثمانية " ذلك " المذكور " متاع الحياة " .
" للذين اتقوا عند ربهم جنات " كلام مستأنف فيه دلالة على بيان ما هو خير من ذلكم كما تقول : هل أدلك على رجل عالم ؟ عندي رجل صفته كيت وكيت . ويجوز أن يتعلق اللام بخير . واختص المتقين لأنهم هم المنتفعون به . وترتفع " جنات " على : هو جنات . وتنصره قراءة من قرأ جنات بالجر على البدل من خير " والله بصير بالعباد " يثيب ويعاقب على الاستحقاق أو بصير بالذين اتقوا وبأحوالهم فلذلك أعد لهم الجنات .
" الذين يقولون " نصب على المدح أو رفع . ويجوز الجر صفة للمتقين أو للعباد . والواو المتوسطة بين الصفات للدلالة على كما لهم في كل واحدة منها . وقد مر الكلام في ذلك . وخص الأسحار لأنهم كانوا يقدمون قيام الليل فيحسن طلب الحاجة بعده " إليه يصع الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " فاطر : 10 ، وعن الحسن : كانوا يصلون في أول الليل حتى إذا كان السحر أخذوا في الدعاء والاستغفار هذا نهارهم وهذا ليلهم .
" شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عن الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب " شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره وبما أوحى من آياته الناطقة بالتوحيد كسورة الإخلاص وآية الكرسي وغيرهما بشهادة الشاهد في البيان والكشف وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك واحتجاجهم عليه " قائما بالقسط " مقيما للعدل فيما يقسم من الأرزاق والآجال ويثيب ويعاقب وما يأمر به عباده من إنصاف بعضهم لبعض والعمل على السوية فيما بينهم . وانتصابه على أنه حال مؤكدة منه كقوله : " وهو الحق مصدقا " البقرة : 91 . فإن قلت : لما جاز إفراده بنصب الحال دون المعطوفين عليه . ولو قلت جاءني زيد وعمرو راكبا لم يجز ؟ قلت : إنما جاز هذا لعدم الإلباس كما جاز في قوله : " ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة " الأنبياء : 72 ، إن انتصب نافلة حالا عن يعقوب . ولو قلت : جاءني زيد وهند راكبا جاز لتميزه بالذكورة أو على المدح . فإن قلت : أليس من حق المنتصب على المدح أن يكون معرفة كقولك : الحمد لله الحميد .
" إنا معشر الأنبياء لا نورث " . إنا بني نهشل لا ندعي لأب ؟ قلت : قد جاء نكرة كما جاء معرفة . وأنشد سيبويه فيما جاء منه نكرة قول الهذلي : .
ويأوي إلى نسوة عطل ... وشعثا مراضيع مثل السعالي