" محكمات " أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه " متشابهات " مشتبهات محتملات " هن أم الكتاب " أي أصل الكتاب تحمل المتشابهات عليها وترد إليها ومثال ذلك " لا تدركه الأبصار " الأنعام : 103 ، " إلى ربها ناظرة " القيامة : 23 ، " لا يأمر بالفحشاء " الأعرف : 27 ، " أمرنا مترفيها " الإسراء : 16 . فإن قلت : فهلا كان القرآن كله محكما ؟ قلت : لو كان كله محكما لتعلق الناس به لسهولة مأخذه ولأعرضوا عما يحتاجون فيه إلى الفحص والتأمل من النظر والاستدلال ولو فعلوا ذلك لعطلوا الطريق الذي لا يتوصل إلى معرفة الله وتوحيده إلا به ولما في المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحق والمتزلزل فيه ولما في تقادح العلماء وإتعابهم القرائح في استخراج معانيه ورده إلى المحكم من الفوائد الجلية والعلوم الجمة ونيل الدرجات عند الله ولأن المؤمن المعتقد أن لا مناقضة في كلام الله ولا اختلاف إذا رأى فيه ما يتناقض في ظاهره وأهمه طلب ما يوفق بينه ويجريه على سنن واحد ففكر وراجع نفسه وغيره ففتح الله عليه وتبين مطابقة المتشابه المحكم ازداد طمأنينة إلى معتقده وقوة في إيقانه " الذين في قلوبهم زيغ " هم أهل البدع " فيتبعون ما تشابه منه " فيتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع مما لا يطابق المحكم ويحتمل ما يطابقه من قول أهل الحق " ابتغاء الفتنة " طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم " وابتغاء تأويله " وطلب أن يأولوه التأويل الحق الذي يجب أن يحمل عليه إلا الله وعباده الذين رسخوا في العلم أي ثبتوا فيه وتمكنوا وعضوا فيه بضرس قاطع . ومنهم من يقف على قوله إلا الله ويبتدئ والراسخون في العلم يقولون ويفسرون المتشابه بما استأثر الله بعلمه وبمعرفة الحكمة فيه من آياته كعدد الزبانية ونحوه والأول هو الوجه . ويقولون : كلام مستأنف موضح لحال الراسخين بمعنى هؤلاء العالمون بالتأويل " يقولون آمنا به " أي بالمتشابه " كل من عند ربنا " أي كل واحد منه ومن المحكم من عنده أو بالكتاب كل من متشابهه ومحكمه من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه ولا يختلف كتابه " وما يذكر إلا أولوا الألباب " مدح للراسخين بإلقاء الذهن وحسن التأمل ويجوز أن يكون " يقولون " حالا من الراسخين . وقرأ عبد الله : إن تأويله إلا عند الله . وقرأ أبي : ويقول الراسخون .
" ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد " " لا تزغ قلوبنا " لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا " بعد إذ هديتنا " وأرشدتنا لدينك . أو لا تمنعنا ألطافك بعد إذ لطفت بنا " من لدنك رحمة " من عندك نعمة بالتوفيق والمعونة . وقرئ لا تزغ قلولبنا بالتاء والياء ورفع القلوب " جامع الناس ليوم " أي تجمعهم لحساب يوم أو لجزاء يوم كقوله تعالى : " يوم يجمعكم ليوم الجمع " التغابن : 9 ، وقرئ : جامع الناس على الأصل " إن الله لا يخلف الميعاد " معناه أن الإلهية تنافي خلف الميعاد كقولك : .
إن الجواد لا يخيب سائله .
والميعاد : الموعد . قرا علي Bه : لن تغني بسكون الياء وهذا من الجد في استثقال الحركة على حروف اللين .
" إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئا وأولئك هم وقود النار كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد " " من " في قوله : " من الله " مثله في قوله : " وإن الظن لا يغني من الحق شيئا " النجم : 28 ، والمعنى : لن تغني عنهم من رحمة الله أو من طاعة الله " شيئا " أي بدل رحمته وطاعته وبدل الحق : ومنه : " ولا ينفع ذا الجد منك الجد "