فإرم في قوله " بعاد إرم " عطف بيان لعاد وإيذان بأنهم عاد الولى القديمة . وقيل : " إرم " بلدتهم وأرضهم التي كانوا فيها ويدل عليه قراءة ابن الزبير بعاد إرم على الإضافة وتقديره : بعاد أهل إرم كقوله : " واسأل القرية " يوسف : 82 ، ولم تنصرف قبيلة كانت أو أرضا للتعريف والتأنيث . وقرأ الحسن : بعاد أرم مفتوحين . وقرئ بعاد إرم بسكون الراء على التخفيف كما قرئ : بورقكم وقرئ بعاد إرم ذات العماد بإضافة إرم إلى ذات العماد . والإرم : العلم يعني : بعاد أهل أعلام ذات العماد . و " ذات العماد " اسم المدينة وقرىء بعاد إرم ذات العماد أي جعل الله ذات العماد رميما بدلا من فعل ربك ؛ وذات العماد إذا كانت صفة للقبيلة فالمعنى : أنهم كلنوا بدويين أهل عمد أو طوال الأجسام على تشبيه قدودهم الأعمدة ومنه قولهم : رجل معمد وعمدان : إذا كان طويلا . وقيل : ذات البناء الرفيع وإن كانت صفة للبلدة فالمعنى : أنها ذات أساطين . وروي أنه كان لعاد ابنان : شداد وشديد ؛ فملكا وقهرا ثم مات شديد وخلص الأمر لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها فسمع بذكر الجنة فقال أبني مثلها فبنى إرم في بعض صحاري عدن في ثلثمائة سنة وكان عمره تسعمائة سنة : وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من البرجد والياقوت . وفيها أصناف الأشجار والأنهار المطردة ؛ ولما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته ؛ فلما كان منها على مسيرة يوم و ليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا . وعن عبد الله بن قلابة : أنه خرج في طلب إبل له . فوقع عليها فحمل ما قدر عليه مما ثم وبلغ خبره معاوية فاستحضره فقص عليه فبعث إلى كعب فسأله فقال : هي إرم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عقبه خال يخرج في طلب إبل له ؛ ثم التفت فأبصر ابن قلابة فقال : هذا والله ذلك الجل " لم يخلق مثلها " مثل عاد " فب البلد " عظم أجرام وقوة كان طول الرجل منهم أربعمائة ذراع وكان يأتي الصخرة العظيمة فيحماها فيلقيها على الحي فيهلكهم أو لم يخلق مثل مدينة شداد في جميع بلاد الدنيا . وقرأ ابن الزبير لم يخلق مثلها أي : لم يخلق الله مثلها " خابوا الصخر " قطعوا صخر الجبال واتخذوا فيها بيوتا كقوله : " وتنحتون من الجبال بيوتا " الشعراء : 149 قيل : أول من نحت الجبال والصخور والرخام : ثمود وبنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة . قيل له : ذو الأوتاد لكثرة جتوده ومضاربهم التي كانوا يضربونها إذا نزلوا أو لتعذبيه بالأوتاد كما فعل بماشطة بنته وبآسية " الذين طغوا " أحسن الوجوه فيه أن يكون في محل النصب على الذم . ويجوز أن يكون مرفوعا على : عم الذين طغوا أو مجرورا على وصف المذكورين عاد وثمود وفرعون يقال : صب عليه السوط وغشاه وقنعه وذكر السوط : إشارة إلى أن ما أحله بهم في الدنيا من العذاب العظيم بالقياس إلى ما أعد لهم في الآخرة كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يعذب به . وعن عمر بن عبيد : كان الحسن إذا أتى على هذه الآية قال : إن عند الله أسواطا كثيرة فأخذهم بسوط منها . المرصاد : المكان الذي يترتب فيه الرصد مفعال من رصده . كلميقات من وقته . وهذا مثل لإرصاده العصاة بالعقاب وانهم لا يفوتونه . وعن بعض العرب أنه قيل له : أين ربك ؟ فقال : بالمرصاد . عن عمرو بن عبيد C أنه قرأ هذه السورة عند بعض الظلمة حتى بلغ هذه الآية فقال : إن ربك لبالمرصاد يا فلان عر ض له في هذا النداء بأنه بعض من توعد بذلك من الجبابرة فلله دره أي سد فراس كان بين ثوبيه يدق الظلمة بإنكاره ويقصع أهل الهواء والبدع باحتجاجه .
" فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن "