أنهم حين اختلفوا في أحكام المجوس قال : هم أهل كتاب وكانوا متمسكين بكتابهم وكانت الخمر قد أحلت لهم فتناولها بعض ملوكهم فسكر فوقع على أخته فلما صحا ندم وطلب المخرج فقالت له : المخرج أن تخطب الناس فتقول : يا أيها الناس إن الله قد أحل نكاح الأخوات ثم تخطبهم بعذ ذلك فتقول : إن الله حرمه ؛ فخطب فلم يقبلوا منه فقالت له : ابسط فيهم السوط ؛ فلم يقبلوا ؛ فقالت له : ابسط فيهم السيف فلم يقبلوا ؛ فأمرته بالأخاديد وإيقاد النيران وطرح من أبى فيها ؛ فهم الذين أرادهم الله بقوله : " قتل أصحاب الأخدود " وقيل : وقع إلى نجران رجل ممن كان على دين عيسى عليه السلام فدعاهم فأجابوه فسار إليهم ذو نواس اليهودي بجنود من جمير فخيرهم بين النار واليهودية فأبوا فأحرق منهم اثني عشر ألفا في الأخاديد .
وقيل : سبعين ألفا ؛ وذكر أن طول الأخدود : أربعون ذراعا وعرضه اثنا عشر ذراعا . وعن النبي A : أنه كان إذا ذكر أصحاب الأخدودتعوذ من جهد البلاء " النار " بدل اشتمال من الأخدود " ذات الوقود " وصف لها بأنها نار عظيمة لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس وقرئ الوقود بالضم " إذا " ظرف لقتل أي لعنوا حين أحدقوا بالنار قاعدين حولها . ومعنى " عليها " على ما يدنو منها من حافات الأخدود كقوله : .
وبات على النار الندى والمحلق .
وكما تقول : مررت عليه تريد : مستعليا لمكان يدنو منه ومعنى شهادتهم على إحراق المؤمنين : أنهم وكلوا بذلك وجعلوا شهودا يشهد بعضهم لبعض عند الملك أن أحدا منهم لم يفرط فيما أمر به وفوض إليه من التعذيب . ويجوز أن يراد : انهم شهود على ما يفعلون بالمؤمنين يؤدون شهادتهم يوم القايمة " يوم تشهد عليهم أسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعلمون " النور : 24 ، " وما نقموا منهم " وما عابوا منهم وما أنكروا إلا الإيمان كقوله : .
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم .
قال ابن الرقيات : .
ما نقموا من بني أمية إلا ... أنهم يحلمون إن غضبوا .
وقرأ أبو حيوة نقموا بالكسر والفصيح : هو الفتح . وذكر الأوصاف التي ستحق بها أن يؤمن به ويعبد وهو كونه عزيزا غالبا قادرا يخشى عقابه حميدا منعما . يجب له الحمد على نعمته ويرجى ثوابه " له ملك المساوات والأرض " فكل من فيهما تحق عليه عبادته والخشوع له تقريرا لأن " ما نقموا منهم " هو الحق الذي لا ينقمه إلا مبطل منهمك في الغي وأن الناقمين أهل لانتقام الله منهم بعذاب لا يعد له عذاب " والله على كل شيء شهيد " وعيد لهم يعني أنه علم ما فعلوا وهو مجازبهم عليه .
" إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير " ويجوز أن يريد بالذين فتنوا : أصحاب الأخدود خاصة وبالذين آمنوا : المطروحينفي الأخدود . ومعنى فتنوهم عذبوهم بالنار وأحرقوهم " فلهم " في الآخرة " عذاب جهنم " بكفرهم " ولهم عذاب الحريق " وهي نار أخرى عظيمة تتسع كما يتسع الحريق بإحراقهم المؤمنين . أولهم عذاب جهنم في الآخرة ولهم عذاب الحريق في الدنيا لما روي أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم . ويجوز أن يريد : الذين فتنوا المؤمنين أي : بلوهم بالأذى على العموم ؛ والمؤمنين : المفتونين ؛ وأن للفاتنين عذابين في الآخرة : لكفرهم ولفتنتهم .
" إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدئ وويعيد وهم الغفور المودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد " البطش : الأخذ بالعنف ؛ فإذا وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم : وهو بطشه بالجبابرة والظلمة وأخذهم بالعذاب والانتقام " إنه هو بئ وبعيد " أي يبدئ البطش ويعيده . يعني : يبطش بهم في الدنيا وفي الآخرة . أو دل باقتداره على الابداء والإعادة على شدة بطشه وأوعد الكفرة بانه يعيدهم كما أبدأهم ليبطش بهم إذ لم يشكروا نعمة الإداء وكذبوا بالإعادة وقرئ يبدأ " الودود " الفاعل بأهل طاعته ما يفعله الودود : من إعطائهم ما أرادوا وقرئ ذي العرش صفة لربك وقرئ المجيد بالجر صفة للعرش . ومجد الله عظمته ومجد العرش : علوه وعظمته " فعال " خبر مبتدأ محذوف . وإنما قيل : فعال ؛ لأن ما يريد ويفعل في غاية الكثرة