" الذين يكذبون " مما وصف به للذم لا للبيان كقولك فعل ذلك فلان الفاسق الخبيث " كلا " ردع للمعتدي الأثيم عن قوله : " ران على قلوبهم " كركبها كما يركب الصأ وغلب عليها : وهو أن يصر على الكبائر ويسوف التوبة حتى يطبع على قلبه فلا يقبل الخير ولا يميل إليه . وعن الحسن : الذنب بعد الذنب حتى يسود القلب . يال : ران عليه الذنب وغان عليه رينا وغينا والغين : الغيم ويقال : ران فيه النوم رسخ فيه ورانت به الخمر : ذهبت به . وقرئ بإدغام اللام في الراء وبالإظهار والإدغام أجود . وامليت الألف وفخمت " كلا " ردع عن الكسب الرائن على قلوبهم . وكونهم محجوبين عنه : تمثيل للاستخفاف بهم وإهانتهم لأنه لا يؤذن على الملوك إلا للوجهار المكرمين لديهم ولا يحجب عنهم إلا الأدنياء المهانون عندهم . قال : .
إذا اعتروا باب ذي عبية رجبوا ... والناس من بين مرجوب ومحجوب .
وعن ابن عباس وقتادة وابن أبي ملكية : محجوبين عن رحمته . وعن ابن كيسان : عن كرامته .
" كلا إن كتاب الأبرار لفى علين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون " " كلا " ردع عن التكذيب . وكتاب الأبرار : ما كتب من أعمالهم . وعليون : علم لديوان الخير الذي دون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقيلين منقول من جمع علي فعيل من العلو كسجين من السجن سمى بذلك إما لأنه سبب الاتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة وإما لأنه مرفوع في السماء السابعة حيث يسكن الكروبيون تكريما له وتعظيما . وروي " إن الملائكة لتصعد بعمل العبد فيستقلونه فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله من سلطانة اوحى إليهم إنكم الحفظة على عبدي وأنا الرقيب على ما في قلبه وأنه أخلص عمله فاجعلوه في عليين فقد غفرت له ؛ وإنها لتصعد بعمل العبد فيزكونه فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله أوحي إليهم : أنتم الحفظة على عبدي وأنا الرقيب على ما في قلبه وإنه لم يخلص لي عمله فاجعلوه في سجين .
" إن الأبرار لفى نعيم على الأرابك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مخسوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون " " الأرائك " الأسرة في الحجال " ينظرون " إلى ما شاؤا مد أعينهم إليه من مناظر الجنة وإلى ما أولاهم الله من النعمة والكرامة وإلى أعدائهم يعذبون في النار وما تحجب الحجال أبصارهم عن الإدراك " نضرة النعيم " بهجة التنعم وماءه ورونقه كما ترى في وجوه الأغنياء وأهل الترفة وقرئ تعرف على البناء للمفعول ونضرة النعيم - بالرفع . الرحيق الشراب الخالص الذي لا غش فيه " مختوم " تختم أوانيه من الأكواب والأباريق بمسك مكان الطينة . وقيل " ختامه مسك " مقطعة رائحة مسك إذا شرب وقيل : يمزج بالكافور ويختم مزاجه بالمسك . وقرئ خاتمة بفتح التاء وكسرها أي : ما يختمبه ويقطع " فليتنافس المتنافسون " فليرتغب المرتغبون " تسنيم " علم لعين بعينها : سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه : إما لأنها أرفع شراب في الجنة وإما لأنها تأتيهم من فوق على ما روي أنها تجري في الهواء متسنمة فتنصب في أوانيهم . " عينا " نصب على المدح . وقال الزجاج : نصب على الحال . وقيل : هي للمقربين يشربونها صرفا وتمزج لسائر أهل الجنة .
" إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون وإذا مروأ بهم يتغامرون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين " هم مشركو مكة : أو جبهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأشياعهم : كانوا يضحكون من عمار وصهيب وخباب وبلال وغيرهم من فقراء المؤمنين ويستهزؤن بهم