من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض كما يقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل بنا وأردفه الكلام الرقيق ليستدعيه بالتلطف في القول وستزله بالمداراة من عتوه كما أمر بذلك في قوله : " فقولا له قولا لينا " طه : 44 ، " الأية الكبرى " قلب العصا حية لأنها كانت المقدمة والأصل والأخرى كالتبع لها ؛ لأنه كان يتقيها بيده فقيل له : أدخل يدك في جيبك أو أرادهما جميعا إلا أنه جعلهما واحة ؛ لأن الثانية كأنها من جملة الولى لكونها تابعة لها " فكذب " بموسى والآية الكبرى وسماهما ساحرا وسحرا " وعصى " الله تعالى بعد ما علم صحة الأمر وان الطاعة قد وجبت عليه " ثم أدبر يسعى " أي لما رأى الثعبان أدبر مرعوبا يسعى : يسرع في مشيته . قال الحسن كان رجلا طياشا خفيفا . أو تولى عن موسى يسعى ويجتهد في مكايدته وأريد : ثم أقبل يسعى كما تقول : أقبل فلان يفعل كذا بمعنى : أنشأ يفعل فوضع " أدبر " موضع : أقبل ؛ لئلا يوصف بالإقبال " فحشر " فجمع السحرة كقوله : " فأرسل فرعون في المدائن حاشرين " الشعراء : 53 . " فنادى " في المقام الذي اجتمعوا فيه معه . أو أمر مناديا فنادى في الناس بذلك . وقيل قام فيهم خطيبا فقال تلك العظيمة . وعن ابن عباس : كلمته الأولى : " ما علمت لكم من إله غيري " القصص : 38 والآخرة : " أنا ربكم العلى " النازعات : 34 . " نكال " هو مصدر مؤكد كوعد الله وصبغة الله ؛ كأنه قيل : نكل الله به نكال الآخرة والأولى والنكال بمعنى التكيل كالسلام بمعنى التسليم . يعني الإغراق في الدنيا والإحراق في الآخرة . وعن ابن عباس : نكال كلمتيه الآخرة وهي قوله : " أنا ربكم الأعلى " والأولى وهي قوله : " ما علمت لكم من إله غيري " القصص : 28 ، وقيل : كان بين الكلمتين أربعون سنة . وقيل عشرون .
" أنتم أشد خلقا أم السماء بذاتها رفع سمكها فسواها واغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم " الخطاب لمنكري البعث يعني " ءأنتم " أصعب " خلقا " وإنشاء " أم السماء " ثم بين كيف خلقها فقال " بناها " ثم بين البناء فقال " رفع سمكها " أي جعل مقدار ذهابها في سمت العلو مديدا رفيعا مسيرة خمسائة عام " فسواها " فعدلها مستوية ملساء ليس فيها تفاوت ولا فطور . أو فتممها بما علم أنها تتم به وأصلحها من قولك : سوى فلان أمر فلان . غطش الليل وأغطشه الله كقولك : ظلم واظلمه . ويقال أيضا : أغطش الليل كما يقال أظلم " وأخرج ضحاها " وأبرز ضوء شمسها يدل عليه قوله تعالى : " والشمس وضحاها " الشمس : 1 ، يريد وضوئها . وقولهم : وقت الضحى للوقت الذي تشرق فيه الشمس ويقوم سلطانها ؛ وأضيف الليل والشمس إلى المساء لأن الليل ظلها والشمس هي السراج المثقب في جوها " ماءها " عيونها المتفجرة بالماء " ومرعاها " ورعيها وهو في الأصل موضع الرعى . ونصب الأرض والجبال بإضمار دحا وأرسى وهو الإضمار على شريطة التفسير . وقرأهما الحسن مرفوعين على الابتداء . فإن قلت : هلا أدخل حرف العطف على أخرج ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما : ان يكون معنى " دحاها " بسطها ومهدها للسكنى ثم فسر التمهيد بما لا بد منه في تأتي سكانها من تسوية أمر المأكل والمشرب ؛ وإمكان القرار عليها والسكون بإخراج الماء والمرعى وإرساء الجلال وإثباتها أو تادا لها حتى تستقر ويستقر عليها . والثاني : أن يكون " وأخرج " حالا بإضمار قد كقوله : " أو جاؤكم حصرت صدورهم " النساء : 90 وأراد بمرعاها : ما يأكل الناس والأنعام . واستعير الرعي للإنسان كما استعير الرتع في قوله : " نرتع ونلعب " يوسف : 12 وقرئ : نرتع من الرعى ؛ ولهذا قيل : دل الله سبحانه بذكر الماء والمرعى على عامة ما يرتفق به ويتمتع مما يخرج من الأرض حتى الملح لأنه من الماء " متاعا لكم " فعل ذلك تمتيعا لكم " ولا نعامكم " لأن منفعة ذلك التمهيد واصلة إليهم و إلى أنعامهم .
" فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى "