وهو مثل قوله : " أنبتكم من الأرض نباتا " نوح : 17 يعني : وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذابا . أو تنصبه بكذبوا لأنه يتضمن معنى كذبوا لأن كل مكذب بالحق كاذب وإن جعلته بمعنى المكاذبة فمعناه : وكذبوا بأياتنا فكاذبوا مكاذبة . أو كذبوا بها مكاذبين لأنهم إذا كانوا عن المسلمين كاذبين وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة أو لأنهم يتكلمون بما هو إفراط في الكذب فعل من يغالب في أمر فيبلغ فيه أقصى جهده . وقرئ كذابا وهو جمع كاذب أي : كذبوا بأياتنا كاذبين ؛ وقد يكون الكذاب بمعنى الواحد البليغ في الكذب يقال : رجل كذاب كقولك : حسان وبخال ؛ فيجعل صفة لمصدر كذبوا أي : تكذيبا كذابا مفرطا كذبه وقرأ أبو السمال : وكل شيء أحصيناه بالفع على الاتبداء " كتابا " مصدر في موضع إحصاء وأحصينا : في معنى كتبنا لانتقاء الإحصاء والكتبة في معنى الضبط والتحصيل . او يكون حالا في معنى : مكتوبا في اللوح وفي صحف الحفظة . والمعنى : إحصاء معاصيهم كقوله : " أحصاه الله ونسوه " المجادلة : 6 وهو اعتراض . وقوله : " فذوقوا " مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات وهي آية في غاية الشدة وناهيك بلن نزيدكم وبدلا لته على أن ترك الزيادة كالمحال الذي لا يدخل تحت الصحة . وبمجيئها على طيرقة الالتفات شاهدا على أن الغضب قد تلالغ وعن النبي A : هذه الآية أشد ما في القآن على أهل النار .
" إن للمتقين مفازا حدآئق وأعتابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا جزآء من ربك عطاء حسابا " " مفازا " فوزا وظفرا بالبغية . أو موضع فوز . وقيل : نجاة مما فيه أولئك . أو موضع نجاة . وفسر المفاز بما بعده . والحدائق : البساتين فيها أنواع الشجر المثمر . والأعناب : الكوم . والكواعب : اللاتي فلكت ثديهن وهن النواهد . والأتراب .
اللدات : والدهاق : المترعة . وأدهق الحوض : ملأه حتى قال قطنى . قرئ ولا كذابا بالتشديد والتخفيف أي : لا يكذب بعضه بعضا ولا يكذبه . أو لا يكاذبه . وعن علي رصي الله عنه أنه قرأ بتخفيف الاثنين " جزاء " مصدر مؤكد منصوب بمعنى قوله : " إن للمتقين مفازا " كأنه قال : جازى المتقين بمفاز . و " عطاء " نصب بجزاء نصب المفعول به . أي : جزاهم عطاء . " و " حسابا " صفة بمعنى : كافيا . من أحسبه الشيء إذا كفاه حتى قال حسبي . وقيل : على حسب أعمالهم . وقرأ ابن قطيب حسابا بالتشديد على أن الحساب بمعنى المحسب كالدراك بمعنى المدرك .
" رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمان لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح والملآئكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا ذالك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مأبا " قرئ رب السموات و الرحمن بالرفع على : هو رب السموات الرحمان . أو رب السموات مبتدأ والرحمان صفة ولا يملكون : خبر أو هما خبران وبالجر على البدل من ربك ويجر الول ورفع الثاني على أنه مبتدأ خبره " لا يملكون " أو هو الرحمن لا يملكون والضمير في " لا يملكون " لأهل السموات والأرض أي : ليس في أيديهم مما يخاطب به الله ويأمر به في أمر الثواب والعقاب خطاب واحد يتصرفون فيه تصرف الملاك فيزيدون فيه أو ينقصون منه . أو لا يملكون أن يخاطبوه بشيء من نقص العذاب أو زيادة في الثواب إلا أن يهب لهم ذلك ويأذن لهم فيه . " يوم يقوم " متعلق بلا يملكون أو بلا يتكلمون . والمعنى : إن الذين هم أفضل الخلائق وأشرفهم وأكثرهم طاعة وأقربهم منه وهم اروح والملائكة لا يملكون التكلم بين يديه فما ظنك بمن عداهم من أهل السموات والأرض ؟ والروح : أعظم خلقا من الملائكة وأشرف منهم وأقرب من رب العالمين . وقيل : هو ملك عظيم ما خلق الله بعد العرش خلقا أعظم منه . وقيل : ليسوا بالملائكة وهم يأكلون . وقيل : جبريل . هما شريطتان : أن يكون المتكلم منهم مأذونا له في الكلام . وأن يتكلم بالصواب فلا يشفع لغير مرتضى لقوله تعالى : " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " الأنبياء " 28 .
" إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا "