يا معاذ سألت عن أمر عظيم من المور ثم أسل عينيه وقال : تحشر عشرة أصناف من أمتي : بعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون : أرجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها وبعضهم عميا وبعضهم صما بكما وبعضهم يمضغون أسنتهم فهي مدلاة على صدورهم : يسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم وبعضهم مصلبون على جذوع من نار وبعضهم أشد نتنا من الجيف ويعضهم ملبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم ؛ فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس . وأما الذين على صورة الخنازير : فأهل السحت . وأما المنكسون على وجوههم فأكلة الربا وأما العمي فالذين يجورون في الحكم وأما الصم البكم فالمعجبون بأعمالهم وظاما الذين يمضغون أسنتهم فالعلماء والقصاص الذين خالف قولهم أعمالهم وأما الذين قطعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون الجيران وأما المصلبون على جذوع من نار فالسعاة بالناس إلى السطان وأما الذين هم أشد نتنا من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ومنعوا حق الله في أموالهم وأما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخيلاء وقرئ وفتحت بالتشديد والتخفيف . والمعنى : كثرة أبوابها المفتحة لنزول الملائكة كأنها ليست إلا أبوابا مفتحة كقوله : " وفجرنا الأرض عيونا " القمر : 12 ، كأن كلها عيون تتفجر وقيل : الأبواب الطرق والمالك أي : تكشط فينفتح مكانها وتصير طرقا لا يسدها شيء " فكانت سرابا " كقوله : " فكانت هباء منبثا " الواقعة : 6 . يعني أنها تصير شيئا كلا شيء لتفرق أجزائها وانبثات جواهرها .
" إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مأبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا جزآء وفاقا إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بأياتنا كذابا وكل شيء أحصيناه كتابا فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا " المرصاد : الحد الذي يكون فيه الرصد . والمعنى : أن جهنم هي حد الطاغين الذي يرصدون فيه للعذاب وهي مآبهم . أو هي مرصاد لأهل الجنة ترصدهم الملائكة الذين يستقبلونهم عندها لأن مجازهم عليها وهي مآب للطاغين . وعن الحسن وقتادة نحوه قالا : طريقا وممرا لأهل الجنة وقرأ ابن يعمر أن جهنم بفتح الهمزة على تعليل قيام الساعة بأن جهنم كانت مرصادا للطاغين كأنه قيل : كان ذلك لإقامة الجزاء . قرئ لابثين ولبثين واللبث أقوى لأن اللابث من وجد منه اللبث ولا يقال لبث إلا لمن شأنه اللبث كالذي يجثم بالمكان لا يكادد ينفك منه " أحقابا " حقبا بعد حقب كلما مضى حقب تبعه آخر إلى غير نهاية ولا يكاد يتسعمل الحقب والحقيبة إلا حيث يراد تتابع الأزمنة وتواليها والاشتقاق يشهد لذلك . ألا ترى إلى حقيبة الراكب والحقب الذي وراء التصدير وقيل : الحقب ثمانون سنة ويجوز أن يراد : لابثين فيها أحقابا غير ذائقين فيها بردا ولا شربا إلا حميما وغساقا ثم يبدلون بعد الأحقاب غير الحميم والغساق من جنس آخر من العذاب . وفيه وجه آخر : وهو أن يكون من : حقب عامنا .
إذا قل مطره وخيره وحقب فلان : إذا أخطأة الرزق فهو حقب وجمعه أحقاب فينتصب حالا عنهم يعني لا بثين فيها حقبين جحدين . وقوله : " لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا " تفسير له والاستثناء منقطع يعني : لا يذوقون فيها بردا وروحا ينفس عنهم حر النار ولا شرابا يسكن من عطشهم ولكن يذوقون فيها حميما وغساقا وقيل الربد النوم وانشد : .
فلو شئت حرمت النساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا .
وعن بعض العرب : منع البرد البرد . وقرئ غساقا بالتخفيف والتشديد : وهو ما يغسق أي : يسيل من صديدهم " وفاقا " وصف بالمصدر . او ذا وفاق . وقرأ أبو حيوة : وفاقا فعال من وفقه كذا كذابا ؛ وفعال في باب فعلكله فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره ؛ وسمعنى بعضهم أفسر آية فقال لقد فسرتها فسارا ما سمع بمثله . وقرئ بالتخفيف وهو مصدر كذب بدليل قوله : .
فصدقتهاوكبتها ... والمرء ينفعه كذابه