فإن قلت : قد علل حعلهم تسعة عشر بالاستيقان وانتفاء الارتياب قول المنافقين والكافرين ما قالوا فهب أن اللإستيقان وإنتفاء الإرتياب يصح أن يكونا غرضين فكيف صح أن يكون قول المنافقين والكافرين غرضا ؟ قلت : أفادت اللام معنى العلة والسبب ولا يجب في العلة أن تكون غرضا الا ترى إلى قولك : خرجت من البلد لمخافة الشر فقد جعلت المخافة علة لخروجك وما هي بغرضك . " مثلا " تمييز لهذا او حال منه كقوله : " هذه ناقة الله لكم آية " هود : 64 ، فإن قلت : لم سموه مثلا ؟ قلت : هو استعارة من المثل المضروب . لأنه مما غرب من الكلام وبدع استغرابا منهم لهذا العدد واستبداعا له . والمعنى : أي شيء أراد الله بهذا العدد العجيب وأي غرض قصد في أن جعل الملائكة تسعة عشر لا عشرين سواء ومرادهم إنكاره من أصله وأنه ليس من عند اله وأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص . الكاف في " كذلك " نصب وذلك : إشارة إلى ما قبله من معنى الإضلال والهدى أي : مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يضل الكافرين ويهدي المؤمنين يعني : يفعل فعلا حسنا مبينا على الحكمة زوالصواب فيراه المؤمنون حكمة ويذعنون له لاعتقادهم أن أفعال الله ملها حسنة وحكمة فيزيدهم إيمانا وينكره الكافرون ويشكون فيه فيزيدهم كفرا وصلالا " وما يعلم جنود ربك " وما عليه كل جند من العدد الخاص من كون بعضها على عقد كامل وبعضها على عدد ناقص وما في اختصاص كل جند بعدده من الحكمة " إلا هو " ولا سبيل لأحد إلى معرفة ذلك كما لا يعرف الحكمة في أعداد السموات والأرضين وأيام السنة والشهور والبروج والكواكب وأعداد النصب والحدود والكفارات والصلوات في الشريعة أو : وما يعلم جنود ربك لفرط كثرتها إلا هو فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين ولكن له في هذا العدد الخاص حكمة لا تعلمونها وهو يعلمها . وقيل : هو جواب لقول أبي جهل : أما لرب محمد أعوان إلا تسعة عشر " وما حعلنا أصححاب النار - إلى قوله - إلا هو " اعتراض . وقوله : " وما هي إلا ذكرى " متصل بوصف سقر وهي ضميرها أي : وما سقر وصفتها إلا تذكرة " للبشر " أو ضمير الآيات التي ذكرت فيها .
" كلا والقمر واليل إذ أدبر والصبح إذا أسفر إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر " " كلا " إنكار بعد أن جعلها ذكرى أن تكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون أو ردع لمن ينكر أن تكون إحدى الكبر نذيرا . ودبر بمعنى أدبر كقبل بمعنى أقبل . ومنه صاروا كأمس الدابر . وقيل : هو من دبر الليل النهار إذا خلفه . قرئ إذ أدبر " إنها لإحدى الكبر " جواب القسم أو تعليل لكلا والقسم معترض للتوكيد . والكبر : جمع الكبرى جعلت ألف التأنيث كتائها فلما جمعت فعلة على فعل : جمعت فعلى عليها ونظير ذلك : السوافي في جمع السافياء . والقواصح في جمع القاصعاء كأنها جمع فاعلة أي : لإحدى ابلايا أو الدواهي الكبر ومعنى كونها إحداهن : أنها من بينهن واحدة في العظم لا نظيرة لها . كما تقول : هو أحد الرجال وهير إحدى النساء و " نذيرا " تمييز من إحدى على معنى : إنها لإحدى الدواهي إنذارا كما تقول : هي إحدى النساء عفافا . وقيل هي حال . وقيل : هو متصل بأول السورة يعني : قم نذيرا وهو من بدع التفاسير . وفي قراءة أبي نذير بالرفع خبر بعد خبر لأن أو بحذف المبتدأ " أن يتقدم " في موضع الرفع بالابتداء . ولمن شاء : خبر مقدم عليه كقولك : لمن توضأ أن يصلي ؛ ومعناه مطلق لمن شاء التقدم أو التأخر أن يتقدم أو يتأخر ولمراد بالتقدم والتأخر : السبق إلى الخبر والتخلف عنه : وهو كقوله : " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " الكهف : 29 ، ويجوز أن يكون " لمن شاء " بدلا من " للبشر " على أنها منذرة للمكلفين الممكنين الذين إن شاؤا تقدموا ففازوا وإن شاؤا تأخروا فهلكوا .
" كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سفر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين "