" لما سمعنا الهدى " هو سماعهم القرآن وإيمانهم به " فلا يخاف " فهو لا يخاف أي فهو غير خائف ؛ ولأن الكلام في تقدير مبتدأ وخبر دخلت الفاء ولولا ذلك لقيل : لا يخف . فإن قلت : أي فائدة : في رفع الفعل وتقديرمبتدأ قبله حتى يقعخبرا له ووجوبإدخال الفاء وكان ذلك كله مستغنى عنه بأن يقال : لا يخف ؟ قلت : الفائدة فيه أنه إذا فعل ذلك فكأنه قيل : فهو لا يخاف فكان دالا على تحقيق أن المؤمن ناج لا محالة وأنه هو المختص بذلك دون غيره وقرأ الأعمش : فلا يخف على النهي " بخسا ولا رهقا " أي جزاء بخس ولا رهق لأنه لم يبخس أحدا حقا ولا رهق ظلم أحد فلا يخاف جزاءهما . وفيه دلالة على أن من حق من آمن بالله أن يجتنب المظالم . ومنه قوله E .
المؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم ويجوز أن يراد : فلا يخاف أن يبخس بل يجزى الجزاء الأولفى ولا أن ترهقه ذلة من قوله D : " ترهقهم ذلة " القلم : 43 .
" وأنا منا المسلمون ومنا القسطون فمن أسلم فأوللآئك تحروأ رشدا وأما الاسطون فكانو لجهنم حطبا " " القاسطون " الكافرون الجائرون عن طريق الحق . وعن سعيد بن جبير Bه : أن الحجاج قال له حين أراد قتله : ما تقول في ؟ قال : قاسط عادل فقال القوم : ما أحسن ما قال حسبوا أنه يصفه بالقسط والعدل ؛ فقال الحجاج : يا جله إنه سماني ظالما مشركا وتلا لهم قوله تعالى : " وأما القاسطون " وقوله تعالى : " ثم الذين كفروابربهم يعدلون " الأنعام : 1 ، وقد زعم من لا يرى للجن ثوابا أن الله تعالى أوعدقاسطيهم وما وعد مسلميهم ؛ وكفى به وعدا أن قال : " فأوللآئك تحروأ رشدا " فذكر سبب الثواب وموجبه والله أعدل من أن يعاقب القاسط ولا يثيب الراشد .
" وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفقتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا " " وألو استقانةا " أن مخففة من الثقيلة وهو من جملة الموحى والمعنى : وأوحي إلي أن الشأن والحديث لو استقام الجن على الطريقة المثلى أي : لو ثبت أبوهم الجان على ما كان عليه من عبادة الله والطاعة ولم يستكبر عن السجود لآدم ولم يكفر وتبعه ولده على الإسلام لأنعمنا عليهم ولوسعنا رزقهم . وذكر الماء الغدق وهو الكثير بفتح الدال وكسرها . وقرئ بهما لأنه أصل المعاش وسعة الرزق " لنفتنهم فيه " لنختبرهم فيه كيف يشكرون ما خولوا منه . ويجوز أن يكون معناه : وان لم استقام الجن الذين استمعوا على طريقتهم التي كانوا عليها قبل الاستماع ولم ينتقلوا عنها إلى الإسلام لوسعنا عليهم الرزق مستدرجين لهم لنفتنهم فيه : لتكون النعمة سببا في اتباعهم شهواتهم ووقوعهم في الفتنة وازديادهم إثما ؛ أو لنعذبهم في كفران النعمة " عن ذكر ربه " عن عبادته أو عن موعظته أو عن وحيه " يسلكه " وقرئ بالنون مضمومة ومفتوحة أي : تدخله " عذابا " والأصل : نسلكه في عذاب كقوله : " ما سلككم في سفر " المدثر : 42 فعدى إلى مفعولين : إما بحذف الجار وإيصال الفعل كقوله : " واختار موسى قومه " الأعراف : 155 وإما بتضمينه معنى ندخله يقال : سلكه وأسلكه قال : حتى إذا أسلكوهم في قتائدة والصعد : مصدر صعد يقال : صعد صعدا وصعودا فوصف به العذاب لأنه يتصعد المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه . ومنه قول عمر Bه : ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح يريد : ما شق على ولا غلبني .
" وأن المساجد لله فلا تعدوا مع الله أحدا " " وأن المساجد " من جملة الموحى . وقيل معناه : ولأن المساجد " الله فلا تدعوا " على اللام متعلقة بلا تدعوا أي : فلا تدعوا " مع الله أحد " في المساجد لأنها الله خاصة ولعبادته : وعن الحسن : يعني الأرض كلها ؛ لأنها جعلت للنبي A مسجدا .
وقيل : الماد بها المسجد الحرام لأنه قبلة المساجد . ومنه قوله تعالى : " ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه " البقرة : 114 وعن قتادة : كان اليهود والنصارى إذا دخلوا بيعهم وكنائسهم أشركوا بالله فأمرنا أن تخلص لله الدعوة إذا دخلنا المساجد . وقيل : المساجد أعضاء السجود السبعة . قال رسول الله A : أمرت أن أسجد على سبعة آراب : وهي الجبهة والأنف واليدان والركبتان والقدمان وقيل : هي جمع مسجد وهو السجود