لأن الرجل والركب مفردان في معنى الرجال والركاب . والرصد : مثل الحرس : اسم جمع للراصد على معنى : ذوى شهاب راصدين بالرجم وهم الملائكة الذين يرجمونهم بالشهب ويمنعونهم من الاستماع . ويجوز أن يكون صفة للشهاب . بمعنى الراصد أو كقوله : " ومعي جياعا يعني يجد شهابا راصدا له ولأجله . فإن قلت : كأن الرجم لم يكن في الجاهلية وقد قال الله تعالى : " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين " الملك : 5 ، فذكر فائدتين في خلق الكواكب : التزيين ورجك الشياطين ؟ قلت : قال بعضهم حدث بعد مبعث رسول الله A وهو إحدى آياته والصحيح أنه كان قبل المبعث ؛ وقد جاء ذكره في شعر أهل الجاهلية . قال بشر بن أبي خازم : .
والعير يرهقها الغبار وجحشها ... ينقض خلفهما انقضاض الكوكب .
وقال أوس بن حجر : .
وانقض كالدري يتبعه ... نقع يثور تخاله طنبا .
وقال عوف بن الخرع : .
يرد عليناالعير من دون إلفه ... أو الثور كالدرى يتبعه الدم .
ولكن الشياطين كانت تسترق في بعض الأحوال فلما بعث رسول الله A : كثر الرجم وزاد زيادة ظاهرة ؛ حتى تنبه لها الإنس والجن ومنع الاستراق أصلا . وعن معمر : قلت للزهري : أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية ؟ قال : نعم . قلت : أرأيت قوله عتعالى : " وأنا كنا نقعد " فقال : غلظت وشدد أمرها حين بعث النبي A . وروى الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس Bهما : بينا رسول الله A جالس في نفر من الأنصار إذ رمى بنجم فاستنار فقال : ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية ؟ فقالوا : كنا نقول : يموت عظيم أو يولد عظيم . وفي قوله : " ملئت " دليل على ان الحادث هو المل والكثرة وكذلك قوله : " نقعد منها مقاعد " أي كنا نجد فيها بعض المقاعد خالية من الحرس والشهب والآن ملئت المقاعد كلها وهذا ذكر ما حملهم على الضر في البلاد حتى عثروا على رسول الله A واستمعوا قراءته .
" وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أراد بهم ربهم رشدا " يقولون : لما حدث هذا من كثرة الرجم ومنع الاستراق قلنا : ما هذا إلا لأمر أراده الله بأهل الأرض ولا يخلو من أن يكون شرا أو رشدا أي : خيرا من عذاب أو رحمة او من خذلان أو توفيق .
" وأنا ومنا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا " " منا الصالحون " منا الأبار المتقون " ومنا دون ذلك " ومنا قوم دون ذلك فحذف الموصوف كقوله : وما منا إلا له مقام ملعلوم الصافات : 164 وهم المقتصدون في الصلاح غير الكاملين فيه أو أرادوا الطالحين " كنا طرائق قددا " بيان للقسمة المذكورة أي : كنا ذوي مذاهب مفترقة مختلفة . أو كنا في اختلاف أحوالنا مثل الطرائق المختلفة . أو كنا في طرائق مختلفة كقوله : كما عسل الطريق الثغلب أو كانت طرائقنا طرائق قددا على حذف المضاف الذي هو الطرائق وإقامة الضمير المضاف إليه مقامه ؛ والقدة من قد كالقطعة من قطع ووصفت الطرائق بالقدد لدلالتها على معنى التقطع والتفرق .
" وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا " " في الأرض " و " هربا " حالان أي : لن نعجزه كائنين في الأرض أينما كنا فيها ولن نعجزه هاربين منها إلى السماء . وقيل : لن نعجزه في الأرض إن أراد بنا أمرا ولن نعجزه هربا إن طلبنا . والظن بمعنى اليقين ؛ وهذه صفة أحوال الجن وما هم عليه من أحوالهم وعقائدهم : منهم أخيار وأشرار ومقتصدون ؛ وأنهم يعتقدون أن اله D عزيز غالب لا يفوته مطلب ولا ينجى عنه مهرب .
" وأنا لما سمعنا الهدى ءامنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا "