أريد بالإنسان الناس ؛ فلذلك استثنى منه إلا المصلين . والهلع : سرعة الجزع عند مس المكروه وسرعة المنع عند مس الخير من قولهم : ناقة هلواع سريعة السير . وعن أحمد بن يحيى قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر : ما الهلع ؟ فقلت : قد فسره الله ولا يكون تفسير أبين من تفسيره وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس والخير : المال والغنى ؛ والشر : الفقر . أو الصحة والمرض : إذا صح الغني منع المعروف وسح بماله وإذا مرض جزع وأخذ يوصي . ولمعنى : أن الإنسان لإيثاره الجزع والمنع وتمكنهما منه ورسوخهما فيه كأنه مجبول عليهما مطبوع وكأنه أمر خلقي وضروي غير اختياري كقوله تعالى : " خلق الإنسان من عجل " الأنبياء : 37 والدليل عليه أنه حين كان في البطن والمهد لم يكن به هلع ولأنه ذم من الله والله لا يذم فعله والدليل عليه : استثناء المؤمنين الذين جاهدوا أنفسهم وحملوها على المكاره وظلفوها عن الشهوات حتى لم يكونوا جازعين ولا مانعين . وعن النبي A .
شر ما أعطي ابن آدم شح هالع وجبن خالع فإن قلت : كيف قال : " على صلاتهم دائمون " ثم على صلاتهم يحافظون ؟ قلت : معنى دوامهم عليها أن يواضبوا على أدائها لا يخلون بها ولا يشتغلون عنها بشئ من الشواغل كما روي عن النبي A .
أفضل العمل أدومه وغن قل وقول عائشة : كان عمله ديمة . ومحافظتهم عليها أن يراعوا إسباغ الوضوء لها ومواقيتها ويقيموا أركانها ويكلموها بسنتها وآدابها ويحفظوها من الإحباط باقتراف المآثم فالدوام يرجع إلى نفس الصلوات والمحافظة إلى أحوالها " حق معلوم " هو الزكاة لأنها مقدرة معلومة ؛ أو صدقة يوظفها الرجل على نفسه يؤديها في أوقات معلومة . السائل : الذي يسأل " والمحروم " الذي يتعفف عن السؤال فيحسب غنيا فيحرم " يصدقون بيوم الدين " تصديقا بأعمالهم واستعدادهم له ويشفقون من عذاب ربهم واعترض بقوله : " إن عذاب ربهم غير مأمون " أي لا ينبغي لأحد وإن بالغ في الطاعة والاجتهاد أن يأمنه . وينبغي أن يكون مترجحا بين الخوف والرجاء . قرئ : بشهادتهم وبشهاداتهم والشهادة من جملة الأمانات . وخصها من بينها إبانة لفضلها لأن في إقامتها إحياء الحقوق وتصحيحها . وفي زيها : تضييعها وإبطالها .
" فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم كلآ إنا خلقناهم مما يعلمون فلا أقسم برب المشارق والمغرب إنا لقادرون على أن نبذل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون خشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون " كان المشركون يحتفون حول النبي A حلقا وفرقا فرقا يستمعون ويستهزئون بكلامه . ويقولون : إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم فنزلت " مهطعين " مسرعين نحوك مادي أعناقهم إليك مقبلين بأبصارهم عليك " عزين " فرقا شتى جمع عزة وأصلها عزوة كأن كل فرقة تعزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى : فهم مفترقون . قال الكميت .
ونحن وجندل باغ تركنا ... كتائب جندك شتى عزينا