كأنه في نفسه لفرط كراهتهم له . وإما أن يكون فعلا بمعنى مفعول كالخبز بمعنى المخبوز أي وهو مكروه لكم . وقرأ السلمي - بالفتح - على أن يكون بمعنى المضموم كالضعف والضعف ويجوز أن يكون بمعنى الإكراه على طريق المجاز كأنهم أكرهوا عليه لشدة كراهتهم له ومشقته عليهم . ومنه قوله تعالى : " وعسى أن تكرهوا شيئا " جميع ما كلفوه فإن النفوس تكرهه وتنفر عنه وتحب خلافه " والله يعلم " ما يصلحكم وما هو خير لكم " وأنتم لا تعلمون ذلك " .
" يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللهأولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم " بعث رسول الله A عبد الله بن جحش على سرية في جمادى الآخرة قبل قتال بدر بشهرين ليترصد عيرا لقريش فيها عمرو بن عبد الله الحضرمي وثلاثة معه فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير وفيها من تجارة الطائف وكان ذلك اول يوم من رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة فقالت قريش : قد استحل محمد الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف ويبذعر فيه الناس إلى معايهم فوقف رسول الله A العير وعظم ذلك على أصحاب السرية وقالوا : ما نبرح حتى تنزل توبتنا ورد رسول الله A العير والأسارى . وعن ابن عباس Bه : لما نزلت أخذ رسول الله A الغنيمة . والمعنى : يسألك الكفار أو المسلمون عن القتال في الشهر الحرام . و " قتال فيه " بدل الاشتمال من الشهر . وفي قراءة عبد الله : عن قتال فيه على تكرير العامل كقوله : " للذين استضعفوا لمن آمن منهم " الأعراف : 75 ، وقرأ عكرمة : قتل فيه قل قتل فيه كبير أي إثم كبير . وعن عطاء : أنه سئل عن القتال في الشهر الحرام ؟ فحلف بالله ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الشهر الحرام إلا أن يقاتلوا فيه وما نسخت . وأكثر الأقاويل على أنها منسوخة بقوله : " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " التوبة : 5 . " وصد عن سبيل الله " مبتدأ وأكبر خبره يعني وكبائر قريش من صدهم عن سبيل الله وعن المسجد الحرام وكفرهم بالله وإخراج أهل المسجد الحرام وهم رسول الله والمؤمنون " أكبر عند الله " مما فعلته السرية من القتال في الشهر الحرام على سبيل الخطأ والبناء على الظن " والفتنة " الإخراج أو الشرك . والمسجد الحرام : عطف على سبيل الله ولا يجوز أن يعطف على الهاء في " به " . " ولا يزالون يقاتلونكم " إخبار عن دوام عداوة الكفار للمسلمين وأنهم لا ينفكون عنها حتى يردوهم عن دينهم وحتى معناها التعليل كقولك : فلان يعبد الله حتى يدخل الجنة أي يقاتلونكم كي يردوكم . و " إن استطاعوا " استبعاد لاستطاعتهم كقول الرجل لعدوه : إن ظفرت بي فلا تبق علي . وهو واثق بأنه لا يظفر به " ومن يرتدد منكم " ومن يرجع عن دينه إلى دينهم ويطاوعهم على ردة إليه " فيمت " على الردة " أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة " لما يفوتهم بإحداث الردة مما للمسلمين في الدنيا من ثمرات الإسلام وباستدامتها والموت عليها من ثواب الآخرة . وبها احتج الشافعي على أن الردة لا تحبط الأعمال حتى يموت عليها . وعند أبي حنيفة أنها تحبطها وإن رجع مسلما . " إن الذين آمنوا والذين هاجروا " روي أن عبد الله بن جحش وأصحابه حين قتلوا الحضرمي ظن قوم أنهم إن سلموا من الإثم فليس لهم أجر فنزلت " أولئك يرجون رحمة الله " وعن قتادة : هؤلاء خيار هذه الأمة ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون . وإنه من رجا طلب ومن خاف هرب .
" يسألونك عن الخمر والميس قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم "