" توبة نصوحا " وصفت التوبة بالنصح على الإسناد المجازى ؛ والنصح : صفة التائبين وهو أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم فيأتوا بها على طريقها متداركة للفرطات ماحية للسيئات وذلك : أن يتوبوا على القبائح لقبحها نادمين عليها مغتمين أشد الاغتمام لا رتكابها عازمين على انهم لا يعودون في قبيح من البائح إلى أن يعود اللبن في الضرع موطنين أنفسهم على ذلك . وعن علي رضي الله تعالى عنه : انه سمع أعرابيا يقول : اللهم إني استغفرك وأتوب إليك فقال : يا هذا إن سرعة اللسان بالتوبة توبة الكذابين . قال : وما التوبة ؟ قال : يجمعها ستة أشياء : على الماضي من الذنوب : الندامة وللفرائض : الإعادة ورد المظالم واستحلال الخصوم وان تعزم على أن لاتعود وأن تذيب نفسك في طاعة الله كما ربيتها في المعصية وأن تذيقها مرارة الطاعات كما أذقتها حلاوة المعاصي . وعن حذيفة : بحسب الرجل من الشر أن يتوب عن الذنب ثم يعود فيه . وعن شهر بن حوشب : أن لا يعود ولو حز بالسيف وأحرق بالنار . وعن ابن السماك : أن تنصب الذنب الذي أقللت فيه الحياء من الله أمام عينك وتستعد لمنتظرك .
وقيل : توبة لا يتاب منها . وعن السدي : لا تصح التوبة إلا بنصيحة النفس والمؤمنين لأن من صحت توبته أحب أن يكون الناس مثله . وقيل : نصوحا من نصاحة الثوب أي : توبة ترفو خروقك في دينك وترم خلك . زقيل : خالصة من قولهم : عسل ناصح إذا خلص من الشمع . ويجوز أن يراد : توبة تنصح الناس أي : تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها واستعماله الجد والعزيمة في العمل على مقتضياتها . وقرأ زيد بن علي توبا نصوحا وقرئ : نصوحا بالضم وهو مصدر نصح . والنصح والنصوح كالشكر والشكور والكفر والكفور أي : ذات نصوح . أو تنصح نصوحا . أو توبوا لنصح أنفسكم على أنه مفعول له " عسى ربكم " إطماع من الله لعبادة وفيه وجان احدهما : ان يكون على ما جرت به عادة الجبابرة من الإجابة بعسى ولعل . ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت . والثاني : أن يجيء به تعليما للعباد وجوب الترجح بين الخوف والرجاء والذي يدل على المعنى الأول وأنه في معنى البت : قراءة ابن أبي عبلة : ويدخلكم بالجزم عطفا على محل عسى أن يكفر كأنه قيل : توبوا يوجب لكم تكفير سيآتكم ويدخلكم " يوم لا يخزى الله " نصب بيدخلكم ولا يخزي : تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر والفسوق واستحماد إلى المؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم " يسعى نورهم " على الصراط " أتمم لنا نورنا " قال ابن عباس : يقولون ذلك إذا طفىء نور المنافقين إشفاقا . وعن الحسن : الله متممه لهم ولكنهم يدعون تقربا إلى الله كقوله تعالى : " واستغفر لذنبك " غافر : 55وهومغفور له . وقيل : يقوله أدناهم منزلة لأنهم يعطون من النور قدر ما يبصرون به مواطىء أقدامهم لأن النور على قدر الأعمال فيسألون إتمامه تفضلا . وقيل : السابقون إلى الجنة يمرون مثل البرق على الصراط وبعضهم كالريح وبعضهم حبوا وزحفا ؛ فأولئك الذين يقولون : " ربنا أتمم لنا نورنا " فإن قلت : كيف يشفقون والمؤمنون آمنون " أم من يأتي آمنا يوم القيامة " فصلت : 40 . " لا خوف عليهم " يونس : 62 ، " لا يحزنهم الفزع الأكبر " الأنبياء : 103 أو كيف يتقربون وليست الدار دار تقرب ؟ قلت : أما الإشفاق فيجوز أن يكون على عادة البشرية وإن كانوا معتقدين المن . واما التقرب فلما كانت حالهم كحال المتقربين حيث يطلبون ما هو حاصل لهم من الرحمة : سماه تقربا .
" سأيها النبى جهد الكفار والمنفقين واغلظ عليهم ومأويهم جهنم وبئس المصير " " جهد الكفار " بالسيف " والمنفقين " بالاحتجاج ؛ واستعمل الغلظة والخشونة على الفريقين فيما تجاهدهما به من القتال والمحاجة . وعن قتادة : مجاهدة المنافقين لإقامة الحود عليهم . وعن مجاهد : بالوعيد . وقيل : بإفشاء أسرارهم .
" ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صلحين فخانتا هما فلم يغيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الدخلين "