قرئ : " يبدله " بالتخفيف والتشديد للكثرة " مسلمات مؤمنات " مقرات مخلصات " سائحات " صائمات . وقرئ : " سيحات " وهي أبلغ . وقيل للصائم : سائح ؛ لأن السائح لا زاد معه فلا يزال ممسكا إلى أن يجد ما يطعمه فشبه به الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت إفطاره . وقيل : سائحات مهاجرات وعن زيد بن أسلم : لم تكن في هذه الأمة سياحة إلا الهجرة . فإن قلت : كيف تكون المبدلات خيرا منهن ولم تكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين ؟ قلت : إذا طلقهن رسول الله لعصيانهن له وإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله A والنزول على هواه ورضاه خيرا منهن وقد عرض بذلك في قوله : " قانتات " لأن القنوت هو القيام بطاعة الله وطاعة الله في طاعة رسوله . فإن قلت : لما أخليت الصفات كله عن العاطف ووسط بين الثيبات والأبكار ؟ قلت : لأنهما صفتان متنافيتان لا يجتمعن فيهما اجتماعهن في سائر الصفات فلم يكن بد من الواو .
" يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون . " " قوا أنفسكم " بترك المعاصي وفعل الطاعات " وأهليكم " بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم . وفي الحديث : 1212 " رحم الله رجلا قال يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعل الله يجمعهم معه في الجنة " وقيل : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من جهل أهله . وقرئ : " وأهلوكم " عطفا على واو " قوا " وحسن العطف للفاصل . فإن قلت : أليس التقدير : قوا أنفسكم وليق أهلوكم أنفسكم ؟ قلت : لا ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو وأنفسكم واقع بعده فكأنه قيل : قوا انتم وأهلوكم أنفسكم لما جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه فجعلت ضميرهما معا على لفظ المخاطب " نارا وقودها الناس والحجارة " نوعا من النار لا يتقد إلا بالناس والحجارة كما يتقد غيرها من النيران بالحطب . وعن ابن عباس Bهما : هي حجارة الكبريت وهي أشد الأشياء حرا إذا أوقد عليها . وقرئ : " وقودها " بالضم أي ذو وقودها " عليها " يلي أمرها وتعذيب أهلها " ملائكة " يعني الزبانية التسعة عشر وأعوانهم " غلاظ شداد " في أجرامهم غلظة وشدة أي : جفاء وقوة . أو في أفعالهم جفاء وخشونة لاتأخذهم رأفة في تنفيذ أوامر الله والغضب له والانتقام من أعدائه " ما أمرهم " في محل النصب على البدل أي : لا يعصون ما أمر الله . أي : أمره كقوله تعالى : " أفعصيت أمري " طه : 93 أو لا يعصونه فيما أمرهم . فإن قلت : أليست الجملتان في معنى واحد ؟ قلت : لا فإن معنى الأولى أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا يأبهونها ولا ينكرونها ومعنى الثانية : أنهم يؤدون ما يؤمرون به لا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه . فإن قلت : قد خاطب الله المشركين المكذبين بالوحي بهذا بعينه في قوله تعالى : " فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة " البقرة : 24 وقال : " أعدت للكافرين " البقرة : 24 فجعلها معدة للكافرين فما معنى مخاطبته به بالمؤمنين ؟ قلت : الفساق وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكفار فإنهم مساكنون الكفار في دار واحدة فقيل للذين آمنوا : قوا أنفسكم باجتناب الفسوق مساكنة الكفار الذين أعدت لهم هذه النار الموصوفة . ويجوز أن يأمرهم بالتوقي من الارتداد والندم على الدخول في الإسلام وأن يكون خطابا للذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون ؛ ويعضد ذلك قوله تعالى على أثره " يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون . " أي : يقال لهم ذلك عند دخولهم النار لا تعتذروا لأنه لا عذر لكم . أو لأنه لا ينفعكم الاعتذار .
" يا أيها الذين أمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين أمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير . "