ثم كرر الحث على الائتساء بإبراهيم وقومه تقريرا وتأكيدا عليهم ولذلك جاء به مصدرا بالقسم لأنه الغاية في التأكيد وأبدل عن قوله : " لكم " قوله : " لمن كان يرجو الله واليوم الآخر " وعقبه بقوله : " ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد " فلم يترك نوعا من التأكيد إلا جاء به .
" عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم . " ولما نزلت هذه الآيات : تشدد المؤمنون في عداوة آبائهم وأبنائهم وجميع أقربائهم من المشركين ومقاطعتهم فلما رأى الله D منهم الجد والصبر على الوجه الشديد وطول التمني للسبب الذي يبيح لهم المولاة والمواصلة . رحمهم فوعدهم تيسير ما تمنوه فلما يسر فتح مكة أظفرهم الله بأمنيتهم فأسلم قومهم وتم بينهم من التحاب والتصافي ما تم . وقيل : 1160 تزوج رسول الله A أم حبيبة فلانت عند ذلك عريكة أبي سفيان واسترخت شكيمته في العداوة وكانت أم حبيبة قد أسلمت وهاجرت مع زوجها عبد الله بن أبي جحش إلى الحبشة فتنصر وأرادها على النصرانية فأبت وصبرت على دينها ومات زوجها فبعث رسول الله A إلى النجاشي فخطبها عليه وساق عنه إليها مهرها أربعمائة دينار وبلغ ذلك أباها فقال : ذلك الفحل لا يقدع أنفه . و " عسى " وعد من الله على عادات الملوك حيث يقولون في بعض الحوائج : عسى أو لعل . فلا تبقى شبهة للمحتاج في تمام ذلك . أو قصد به إطماع المؤمنين والله قدير على تقليب القلوب وتغيير الأحوال وتسهيل أسباب المودة " والله غفور رحيم " لمن أسلم من المشركين .
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين . إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون . " " أن تبروهم " بدل من الذين لم يقاتلوكم . وكذلك " أن تولوهم " من الذين قاتلوكم : والمعنى : لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء . وهذا أيضا رحمة لهم لتشددهم وجدهم في العداوة متقدمة لرحمته بتيسير إسلام قومهم حيث رخص لهم في صلة من لم يهاجر منهم بقتال المؤمنين وإخراجهم من ديارهم . وقيل : أراد بهم خزاعة وكانوا صالحوا الرسول A على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه . وعن مجاهد : هم الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا . وقيل : هم النساء والصبيان . وقيل : 1161 قدمت على أسماء بنت أبي بكر أمها قتيلة بنت عبد العزى وهي مشركة بهدايا فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول فنزلت فأمرها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن تدخلها وتقبل منها وتكرمها وتحسن إليها . وعن قتادة : نسختها آية القتال " وتقسطوا إليهم " وتقضوا إليهم بالقسط ولا تظلموهم . وناهيك بتوصية الله المؤمنين أن يستعملوا القسط مع المشركين به ويتحاموا ظلمهم مترجمة عن حال مسلم يجترئ على ظلم أخيه المسلم .
" يا أيها الذين أمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وأتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا أتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر وسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم . وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فأتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون . " " إذا جاءكم المؤمنات " سماهن مؤمنات لتصديقهن بألسنتهن ونطقهن بكلمة الشهادة ولم يظهر منهن ما ينافي ذلك . أو لأنهن مشارفات لثبات إيمانهم بالامتحان " فامتحنوهن " فابتلوهن بالحلف والنظر في الأمارات ليغلب على ظنونكم صدق إيمانهن