أو : وجعلوا الإيمان مستقرا ومتوطنا لهم لتمكنهم منه واستقامتهم عليه كما جعلوا المدينة كذلك . أو أراد دار الهجرة ودار الإيمان فأقام لام التعريف في الدار مقام المضاف إليه وحذف المضاف من دار الإيمان ووضع المضاف إليه مقامه . أو سمى المدينة لأنها دار الهجرة ومكان ظهور الإيمان بالإيمان " من قبلهم " من قبل المهاجرين ؛ لأنهم سبقوهم في تبوئ دار الهجرة والإيمان . وقيل : من قبل هجرتهم " ولا يجدون " ولا يعملون في أنفسهم " حاجة مما أوتوا " أي طلب محتاج إليه مما أوتي المهاجرين من الفيء وغيره والمحتاج إليه يسمى حاجة ؛ يقال : خذ منه حاجتك وأعطاه من ماله حاجته يعني : أن نفوسهم لم تتبع ما أعطوا ولم تطمح إلى شيء منه يحتاج إليه " ولو كان بهم خصاصة " أي : خلة وأصلها : خصائص البيت وهي فروجه ؛ والجملة في موضع الحال أي : مفروضة خصاصتهم : 1156 وكان رسول الله A قسم أموال بني النضير على المهاجرين ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة نفر محتاجين : أبادجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة . وقال لهم : " إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم في هذه الغنيمة وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم لكم شيء من الغنيمة فقالت الأنصار : بل يقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فنزلت " الشح " بالضم والكسر وقد قرئ بهما : اللؤم وأن تكون نفس الرجل كزة حريصة على المنع كما قال : .
يمارس نفسا بين جنبيه كزة ... إذا هم بالمعروف قالت له مهلا .
وقد أضيف إلى النفس ؛ لأنه غريزة فيها . وأما البخل فهو المنع نفسه . ومنه قوله تعالى : " وأحضرت الأنفس الشح " النساء 128 . " ومن يوق شح نفسه " ومن غلب ما أمرته به وخالف هواها بمعونة الله وتوفيقه " فأولئك هم المفلحون " الظافرون بما أرادوا . وقرئ : " ومن يوق " .
" والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " " والذين جاءوا من بعدهم " عطف أيضا على المهاجرين : وهم الذين هاجروا من بعد . وقيل : التابعون بإحسان " غلا " وقرئ : " غمرا " وهما الحقد .
" ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون . لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون " " لإخوانهم " الذين بينهم وبينهم أخوة الكفر ولأنهم كانوا يوالونهم ويواخونهم وكانوا معهم على المؤمنين في السر " ولا نطيع فيكم " في قتالكم أحدا من رسول الله والمسلمين إن حملنا عليه .
أو في خذلانكم وإخلاف ما وعدناكم من النصرة " لكاذبون " أي في مواعيدهم لليهود . وفيه دليل على صحة النبوة : لأنه إخبار بالغيوب . فإن قلت : كيف قيل " ولئن نصروهم " بعد الإخبار بأنهم لا ينصرونهم ؟ قلت : معناه : ولئن نصروهم على الفرض والتقدير كقوله تعالى : " لئن أشركت ليحبطن عملك " الزمر 65 وكما يعلم ما يكون فهو يعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون . والمعنى : ولئن نصر المنافقون اليهود لينهزمن المنافقون ثم لا ينصرون بعد ذلك أي : يهلكهم الله تعالى ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم . أو لينهزمن اليهود ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين .
" لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون . لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة او من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون . كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم . كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين . فكان عاقبتهما في النار خالدين فيها وذلك جزاؤا الظالمين . "