يعني : أن الله قد عزم على تطهير أرض المدينة منهم وإراحة المسلمين من جوارهم وتوريثهم أموالهم فلولا أنه كتب عليهم الجلاء واقتضته حكمته ودعاه إلى اختياره أنه أشق عليهم من الموت " لعذبهم في الدنيا " بالقتل كما فعل بإخوانهم بني قريظة " ولهم " سواء أجلوا أو قتلوا " عذاب النار " يعني : إن نجوا من عذاب الدنيا لم ينجوا من عذاب الآخرة .
" ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليجزى الفاسقين . " " من لينة " بيان لما قطعتم . ومحل " ما " نصب بقطعتم كأنه قال : أي شيء قطعتم وأنت الضمير الراجع إلى ما في قوله : " أو تركتموها " لأنه في معنى اللينة . اللينة : النخلة من الألوان وهي ضروب النخل ما خلا العجوة . والبرنية وهما أجود النخيل وياؤها عن واو قلبت لكسرة ما قبلها كالديمة . وقيل : " اللينة " النخلة الكريمة كأنهم اشتقوها من اللين . قال ذو الرمة : .
كأن قتودي فوقها عش طائر ... على لينة سوقاء تهفو جنوبها .
وجمعها لين . وقرئ : " قوما " على أصلها . وفيه وجهان : أنه جمع أصل كرهن ورهن . أو اكتفى فيه بالضمة عن الواو . وقرئ : " قائما على أصوله " ذهابا إلى لفظ ما " فبإذن الله " فقطعها بإذن الله وأمره " ولخزى الفاسقين " وليذل اليهود ويغيظهم إذن في قطعها وذلك : 1153 أن رسول الله A حين أمر أن تقطع نخلهم وتحرق قالوا : يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها ؟ فكان في أنفس المؤمنين من ذلك شيء . فنزلت يعني : أن الله أذن لهم في قطعها ليزيدكم غيظا ويضاعف لكم حسرة إذا رأيتموهم يتحكمون في أموالكم كيف أحبوا ويتصرفون فيها ما شاؤوا . واتفق العلماء على أن حصون الكفرة وديارهم لا بأس بأن تهدم وتحرق وتغرق وترمى بالمجانيق . وكذلك أشجارهم لا بأس بقلعها مثمرة كانت أو غير مثمرة . وعن ابن مسعود : قطعوا منها ما كان موضعا للقتال . فإن قلت : لم خصت اللينة بالقطع ؟ قلت : إن كانت من الألوان فليستبقوا لأنفسهم العجوة والبرنية وإن كانت من كرام النخل فليكون غيظ اليهود أشد وأشق . وروي : 1154 أن رجلين كانا يقطعان : أحدهما العجوة والآخر اللون فسألهما رسول الله A فقال هذا : تركتها لرسول الله وقال هذا : قطعتها غيظا للكفار . وقد استدل به على جواز الاجتهاد وعلى جوازه بحضرة الرسول A ؛ لأنهما بالاجتهاد فعلا ذلك واحتج به من يقول : كل مجتهد مصيب .
" وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير . ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب " " أفاء الله على رسوله " جعله له فيئا خاصة . والإيجاف من الوجيف . وهو السير السريع . ومنه قوله E في الإفاضة من عرفات