" ما يكون " من كان التامة . وقرئ بالياء والتاء والياء على أن النجوى تأنيثها غير حقيقي ومن فاصله . أو على أن المعنى ما يكون شيء من النجوى . والنجوى : التناجي فلا تخلو إما أن تكون مضافة إلى ثلاثة أي : من نجوى ثلاثة نفر . أو موصوفة بها أي : من أهل نجوى ثلاثة فحذف الأهل . أو جعلوا نجوى في أنفسهم مبالغة كقوله تعالى : " خلصوا نجيا " يوسف80 وقرأ لبن أبي عبلة : " ثلاثة وخمسة " بالنصب على الحال بإضمار يتناجون ؛ لأن نجوى يدل عليه . أو على تأويل نجوى بمتناجين ونصبها من المستكن فيه . فإن قلت : ما الداعي إلى تخصيص الثلاثة والخمسة ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما : أن قوما من المنافقين تحلقوا للتناجي مغايظة للمؤمنين على هذين العددين : ثلاثة وخمسة فقيل : ما يتناجى منهم ثلاثة ولا خمسة كما ترونهم يتناجون كذلك " ولا أدنى من " عدديهم " ولا أكثر إلا " والله معهم يسمع ما يقولون فقد روي عن ابن عباس Bه : أنها نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن أمية : كانوا يوما يتحدثون فقال أحدهم : أترى أن الله يعلم ما نقول ؟ فقال الآخر : يعلم بعضا ولا يعلم بعضا . وقال الثالث : إن كان يعلم بعضا فهو يعلم كله ؛ وصدق . لأن من علم بعض الأشياء بغير سبب فقد علمها كلها لأن كونه عالما بغير سبب ثابت له مع كل معلوم والثاني : أنه قصد أن يذكر ما جرت عليه العادة من أعداد أهل النجوى والمخالين للشورى والمندوبون لذلك ليسوا بكل أحد وإنما هم طائفة مجتباة من أولي النهى والأحلام ورهط من أهل الرأي و التجارب وأول عددهم الاثنان فصاعدا إلى خمسة إلى ستة إلى ما اقتضته الحال وحكم الاستصواب . ألا ترى إلى عمر بن الخطاب Bه كيف ترك الأمر شورى بين ستة ولم يتجاوز بها إلى سابع فذكر عز وعلا الثلاثة والخمسة وقال : " ولا أدنى من ذلك " فدل على الاثنين والأربعة وقال " ولا أكثر " فدل على ما يلي هذا العدد ويقاربه . وفي مصحف عبد الله : إلا الله رابعهم ولا أربعة إلا الله خامسهم ولا خمسة إلا الله سادسهم ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا الله معهم إذا تناجوا . وقرئ : " ولا أدنى من ذلك ولا أكثر " بالنصب على أن لا لنفي الجنس . ويجوز أن يكون : ولا أكثر بالرفع معطوفا على محل لا مع أدنى كقولك : لا حول ولا قوة إلا بالله بفتح الحول ورفع القوة . ويجوز أن يكون مرفوعين على الابتداء كقولك : لا حول ولا قوة إلا بالله وأن يكون ارتفاعهما عطفا على محل " لا " " من نجوى " كأنه قيل : ما يكون أدنى ولا أكثر إلا هو معهم . ويجوز أن يكونا مجرورين عطفا على نجوى كأنه قيل : ما يكون من أدنى ولا أكثر إلا هو معهم . وقرئ : " ولا أكبر " بالباء . ومعنى كونه معهم : أنه يعلم ما يتناجون به ولا يخفى غليه ما هم فيه فكأنه مشاهدهم ومحاضرهم وقد تعالى عن المكان والمشاهدة . وقرئ " ثم ينبئهم " على التخفيف .
" ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير . " كانت اليهود والمنافقون يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين يؤيدون أن يغيظوهم فنهاهم رسول الله A فعادوا لمثل فعلهم وكان تناجيهم بما هو إثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول ومخالفته . وقرئ : " ينتجون بالإثم والعدوان " بكسر العين ومعصيات الرسول " حيوك بما لم يحيك به الله " يعني أنهم يقولون في تحيتك : السام عليك يا محمد ؛ والسام : الموت ؛ والله تعالى يقول : " وسلام على عباده الذين اصطفى " النمل : 59 و " يا أيها الرسول " المائدة : 41 - 67 و " يا أيها النبي " الأنفال : 64 " لولا يعذبنا الله بما نقول " كانوا يقولون : ماله إن كان نبيا لا يدعو علينا حتى يعذبنا الله بما نقول فقال الله تعالى : " حسبهم جهنم " عذابا .
" يا أيها الذين أمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون . إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين أمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون . "