قرأ الحسن : " الأنجيل " بفتح الهمزة وأمره أهون من أمر البرطيل والسكينة فيمن رواهما بفتح الفاء لأن الكلمة أعجمية لا يلزم فيها حفظ أبنية العرب . وقرئ : " رآفة " على : فعالة أي : وفقناهم للتراحم والتعاطف بينهم . ونحوه في صفة أصحاب رسول الله A " رحماء بينهم " الفتح : 29 . والرهبانية : ترهبهم في الجبال فارين من الفتنة في الدين مخلصين أنفسهم للعبادة وذلك أن الجبابرة ظهروا على المؤمنين بعد موت عيسى فقاتلوهم ثلاث مرات فقتلوا حتى لم يبق منهم إلا القليل فخافوا أن يفتنوا في دينهم فاختاروا الرهبانية : ومعناه الفعلة المنسوبة إلى الرهبان وهو الخائف : فعلان من رهب كخشيان من خشى . وقرئ : " ورهبانية " بالضم كأنها نسبة إلى الرهبان : وهو جمع راهب كراكب وركبان وانتصابها بفعل مضمر يفسره الظاهر : تقديره . وابتدعوا رهبانية " ابتدعوها " يعني : وأحدثوها من عند أنفسهم ونذروها " ما كتبناها عليهم " لم نفرضها نحن عليهم " إلا ابتغاء رضوان الله " استثناء منقطع أي : ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله " فما رعوها حق رعايتها " كما يجب على الناذر رعاية نذره ؛ لأنه عهد مع الله لا يحل نكثه " فأتينا الذين أمنوا " يريد : أهل الرحمة والرأفة الذين اتبعوا عيسى " وكثير منهم فاسقون " الذين لم يحافظوا على نذرهم . ويجوز أن تكون الرهبانية معطوفة على ما قبلها وابتدعوها : صفة لها في محل النصب أي : وجعلنا في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعة من عندهم بمعنى : وفقناهم للتراحم بينهم ولابتداع الرهبانية واستحداثها ما كتبناها عليهم إلا ليبتغوا بها رضوان الله ويستحقوا بها الثواب على أنه كتبها عليهم وألزمها إياهم ليتخلصوا من الفتن ويبتغوا بذلك رضا الله وثوابه فما رعوها جميعا حق رعايتها ؛ ولكن بعضهم فآتينا المؤمنين المراعين منهم للرهبانية أجرهم وكثير منهم فاسقون . وهم الذين لم يرعوها .
" يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وأمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم . " " يا أيها الذين أمنوا " يجوز أن يكون خطابا للذين آمنوا من أهل الكتاب والذين آمنوا من غيرهم فإن كان خطابا لمؤمني أهل الكتاب . فالمعنى : يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى آمنوا بمحمد " يؤتكم " الله " كفلين " أي نصيبين " من رحمته " لإيمانكم بمحمد وإيمانكم بمن قبله " ويجعل لكم " يوم القيامة " نورا تمشون به " وهو النور المذكور في قوله : " يسعى نورهم " الحديد : 12 . " ويغفر لكم " ما أسلفتم من الكفر والمعاصي .
" لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم . " " لئلا يعلم " ليعلم " أهل الكتاب " الذين لم يسلموا . ولا مزيدة " ألا يقدرون " أن مخففة من الثقيلة أصله : أنه لا يقدرون يعني : أن الشان لا يقدرون " على شيء من فضل الله " أي : لا ينالون شيئا مما ذكر من فضله من الكفلين : والنور والمغفرة لأنهم لم يؤمنوا برسول الله فلم ينفعهم إيمانهم بمن قبله ولم يكسبهم فضلا قط . وإن كان خطابا لغيرهم فالمعنى : اتقوا الله واثبتوا على إيمانكم برسول الله يؤتكم ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الكفلين في قوله : " أولئك يؤتون أجرهم مرتين " القصص : 54 ولا ينقصكم من مثل أجرهم لأنكم مثلهم في الإيمانين لا تفرقون بين أحد من رسله . روى :