أي : إذا وقعت لم تكن لها رجعة ولا ارتداد " خافضة رافعة . " على : هي خافضة رافعة ترفع أقواما وتضع آخرين : إما وصفا لها بالشدة ؛ لأن الواقعات العظام كذلك يرتفع فيها ناس إلى مراتب ويتضع ناس وإما لأن الأشقياء يحطون إلى الدركات والسعداء يرفعون إلى الدرجات ؛ وإما أنها تزلزل الأشياء وتزيلها عن مقارها فتخفض بعضا وترفع بعضا : حيث تسقط السماء كسفا وتنتثر الكواكب وتنكدر وتسير الجبال فتمر في الجو مر السحاب وقرئ : " خافضة رافعة " بالنصب على الحال " رجت " حركت تحريكا شديدا حتى ينهدم كل شيء فوقها من جبل وبناء " وبست الجبال " وفتت حتى تعود كالسويق أو سيقت من بس الغنم إذا ساقها . كقوله : " وسيرت الجبال " النبأ : 20 ، " منبثا " متفرقا . وقرئ : بالتاء أي : منقطعا . وقرئ : " رجت وبست " أي : ارتجت وذهبت . وفي كلام بنت الخس : عينها هاج وصلاها راج . وهي تمشي تفاج . فإن قلت : بم انتصب إذا رجت ؟ قلت : هو بدل من إذا وقعت . ويجوز أن ينتصب بخافضة رافعة . أي : تخفض وترفع وقت رج الأرض وبس الجبال لأنه عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع ويرتفع ما هو منخفض " أزواجا " أصنافا يقال للأصناف التي بعضها مع بعض أو يذكر بعضها مع بعض أزواج .
" فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة . وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة . " " فأصحاب الميمنة " الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم " وأصحاب المشئمة " الذين يؤتونها بشمائلهم . أو أصحاب المنزلة السنية وأصحاب المنزلة الدنية من قولك : فلان مني باليمين فلان مني بالشمال : إذا وصفتهما بالرفعة عندك والضعة ؛ وذلك لتيمنهم بالميامن وتشاؤمهم بالشمائل ولتفاؤلهم بالسانح وتطيرهم من البارح ولذلك اشتقوا لليمين الاسم من اليمن وسموا الشمال الشؤمى . وقيل : أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة : أصحاب اليمن والشؤم ؛ لأن السعداء ميامين على أنفسهم بطاعتهم والأشقياء مشائيم عليها بمعصيتهم . وقيل : يؤخذ بأهل الجنة ذات اليمين وبأهل النار ذات الشمال .
" والسابقون السابقون . أولئك المقربون . في جنات النعيم . ثلة من الأولين . وقليل من الأخرين . على سرر موضونة . متكئين عليها متقابلين . يطوف عليهم ولدان مخلدون . بأكواب وأباريق وكأس من معين . لا يصدعون عنها ولا ينزفون . وفاكهة مما يتخيرون . ولحم طير مما يشتهون . وحور عين . كأمثال اللؤلؤ المكنون . جزاء بما كانوا يعملون . لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما . إلا قيلا سلاما سلاما . " " والسابقون " المخلصون الذين سبقوا إلى ما دعاهم الله إليه وشقوا الغبار في طلب مرضاة الله عز وجل وقيل : الناس ثلاثة فرجل ابتكر الخير في حداثة سنه ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا ؛ فهذا السابق المقرب ورجل ابتكر عمره بالذنب وطول الغفلة ثم تراجع بتوبة ؛ فهذا صاحب اليمين ورجل ابتكر الشر في حداثة سنه ثم لم يزل عليه حتى خرج من الدنيا فهذا صاحب الشمال " ما أصحاب الميمنة " . " ما أصحاب المشأمة " تعجيب من حال الفريقين في السعادة والشقاوة . والمعنى : أي شيء هم ؟ والسابقون السابقون يريد : والسابقون من عرفت حالهم وبلغك وصفهم كقوله : وعبد الله عبد الله . وقول أبي النجم : وشعري شعري كأنه قال : وشعري ما انتهى إليك وسمعت بفصاحته وبراعته وقد جعل السابقون تأكيدا . وأولئك المقربون : خبرا وليس بذاك ووقف بعضهم على : والسابقون ؛ وابتدأ السابقون أولئك المقربون والصواب أن يوقف على الثاني لأنه تمام الجملة وهو في مقابلة : ما أصحاب الميمنة وما أصحاب المشأمة " المقربون في جنات النعيم . " الذين قربت درجاتهم في الجنة من العرش وأعليت مراتبهم . وقرئ : " في جنة النعيم " والثلة : الأمة من الناس الكثيرة . قال : .
وجاءت إليهم ثلة خندفية ... بجيش كتيار من السيل مزبد