" إن الله تعالى يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا لكاهن أو ساحر أو مشاحن أو مدمن خمر أو عاق للوالدين أو مصر على الزنا " وما أعطى فيها رسول الله A من تمام الشفاعة وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمته . فأعطى الثلث منها ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطي الثلثين ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطي الجميع إلا من شرد عن الله شراد البعير . ومن عادة الله في هذه الليلة : أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة . والقول الأكثر أن المراد بالليلة المباركة : ليلة القدر لقوله تعالى : " إنا أنزلناه في ليلة القدر " القدر : ا ولمطابقة قوله : " وفيها يفرق كل أمر حكيم " لقوله : " تتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر " وقوله تعالى : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " البقرة : 185 ، وليلة القدر في أكثر الأقاويل في شهر رمضان . فإن قلت : ما معنى إنزال القرآن في هذه الليلة ؟ قلت : قالوا أنزل جملة واحدة من السماء السابعة إلى السماء الدنيا وأمر السفرة الكرام بانتساخه في ليلة القدر وكان جبريل عليه السلام ينزله على رسول الله A نجوما نجوما . فإن قلت : " إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم " ما موقع هاتين الجملتين ؟ قلت : هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان . فسر بهما جواب القسم الذي هو قوله تعالى : " إنا أنزلناه في ليلة مباركة " الدخان : 3 ، كأنه قيل : أنزلنا لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصا لأن إنزال القرآن من الأمور الحكيمة وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم . والمباركة : الكثيرة الخير لما يتيح الله فيها من الأمور التي يتعلق بها منافع العباد في دينهم ودنياهم ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده لكفى به بركة ومعنى " يفرق " يفصل ويكتب كل أمر حكيم من أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم منها إلى الأخرى القابلة . وقيل : يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة ويقع الفراغ في ليلة القدر فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ونسخة الحروب إلى جبريل وكذلك الزلازل والصواعق والخسف ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم ونسخة المصائب إلى ملك الموت . وعن بعضهم : يعطى كل عامل بركات أعماله فيلقى على ألسنة الخلق مدحه وعلى قلوبهم هيبته . وقرئ يفرق بالتشديد و " يفرق " كل على بنائه للفاعل ونصب كل والفارق : الله D وقرأ زيد بن علي Bه نفرق بالنون كل أمر حكيم : كل شأن ذي حكمة أي : مفعول على ما تقتضيه الحكمة وهو من الإسناد المجازي لأن الحكيم صفة صاحب الأمر على الحقيقة ووصف الأمر به مجاز " أمرا من عندنا " نصب على الاختصاص . جعل كل أمر جزلا فخما بأن وصفه بالحكيم ثم زاده جزالة وكسبه فخامة بأن قال : أعنى بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا كائنا من لدنا كما اقتضاه علمنا وتدبيرنا . ويجوز أن يراد به الأمر الذي هو ضد النهي ثم إما أن يوضع موضع فرقانا الذي هو مصدر يفرق لأن معنى الأمر والفرقان واحد من حيث إنه إذا حكم بالشيء وكتبه فقد أمر به وأوجبه . أو يكون حالا من أحد الضميرين في أنزلناه : إما من ضمير الفاعل أي : أنزلناه آمرين أمرا . أو من ضمير المفعول أي أنزلناه في حال كونه أمرا من عندنا بما يجب أن يفعل فإن قلت : " إنا كنا منزلين رحمة من ربك " بم يتعلق . قلت : يجوز أن يكون بدلا من قوله : " إنا كنا منذرين " و " رحمة من ربك " مفعولا له على معنى : إنا أنزلنا القرآن لأن من شأننا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم وأن يكون تعليلا ليفرق . أو لقوله : " أمرا من عندنا " ورحمة : مفعولا به وقد وصف الرحمة بالإرسال كما وصفها به في قوله تعالى : " وما يمسك فلا مرسل له من بعده " فاطر : 2 ، أي يفصل في هذه الليلة كل أمر . أو تصدر الأوامر من عندنا لأن من عادتنا أن نرسل رحمتنا . وفصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها من باب الرحمة وكذلك الأوامر الصادرة من جهته عز وعلا لأن الغرض في تكليف العباد تعريضهم للمنافع . والأصل : إنا كنا مرسلين رحمة منا فوضع الظاهر موضع الضمير إيذانا بأن الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين وفي قراءة زيد بن علي أمر من عندنا على : هو أمر وهي تنصر انتصابه على الاختصاص . وقرأ الحسن : رحمة من ربك على : تلك