" إنه " وإن الذي أوحى إليك لذكر لشرف " لك ولقومك و " ل " سوف تسألون " عنه يوم القيامة وعن قيامكم بحقه وعن تعظيمكم له وشكركم على أن رزقتموه وخصصتم به من بين العالمين ليس المراد بسؤال الرسل حقيقة السؤال لإحالته ولكنه مجاز عن النظر في أديانهم والفحص عن مللهم هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء . وكفاه نظرا وفحصا : نظره في كتاب الله المعجز المصدق لما بين يديه وإخبار الله فيه بأنهم يعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا . وهذه الآية في نفسها كافية لا حاجة إلى غيرها والسؤال الواقع مجازا عن النظر حيث لا يصح السؤال على الحقيقة : كثير منه مساءلة الشعراء الديار والرسوم والأطلال . وقول من قال : سله الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك ؟ فإنها إن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا . وقيل : إن النبي A جمع له الأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس فأمهم . وقيل له : سلهم فلم يشكك ولم يسأل . وقيل : معناه سل أمم من أرسلنا وهم أهل الكتابين : التوراة والإنجيل . وعن الفراء : إنما هم يخبرونه عن كتب الرسل فإذا سألهم فكأنه سأل الأنبياء .
" ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئيه فقال إني رسول رب العالمين فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون " .
ما أجابوه به عند قوله : " إني رسول رب العالمين " محذوف دل عليه قوله : " فلما جاءهم بآياتنا " وهو مطالبتهم إياه بإحضار البينة على دعواه وإبراز الآية " إذا هم منها يضحكون " أي يسخرون منها ويهزءون بها ويسمونها سحرا . وإذا للمفاجأة . فإن قلت : كيف جاز أن يجاب لما بإذا المفاجأة ؟ قلت : لأن فعل المفاجأة معها مقدر وهو عامل النصب في محلها كأنه قيل : فلما جاءهم بآياتنا فاجئوا وقت ضحكهم .
" وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخناهم بالعذاب لعلهم يرجعون " .
فإن قلت : إذا جاءتهم آية واحدة من جملة التسع فما أختها التي فضلت عليها في الكبر من بقية الآيات ؟ قلت : أختها التي هي آية مثلها . وهذه صفة كل واحدة منها فكان المعنى على أنها كبر من بقية الآيات على سبيل التفصيل والاستقراء واحدة بعد واحدة كما تقول : هو أفضل رجل رأيته . تريد : تفضيله على أمة الرجال الذين رأيتهم إذا قروتهم رجلا رجلا فإن قلت : هو كلام متناقض لأن معناه : ما من آية من التسع إلا هي أكبر من كل واحدة منها فتكون واحدة منها فاضلة ومفضولة في حاله واحدة قلت : الغرض من هذا الكلام أنهن موصوفات بالكبر لا يكدن يتفاوتن فيه وكذلك العادة في الأشياء التي تتلاقى في الفضل وتتفاوت منازلها فيه التفاوت اليسير التي تختلف آراء الناس في تفضيلها فيفضل بعضهم هذا وبعضهم ذاك فعلى ذلك بنى الناس كلامهم فقالوا : رأيت رجالا بعضهم أفضل من بعض وربما اختلفت آراء الرجل الواحد فيها فتارة يفضل هذا وتارة يفضل ذاك . ومنه بيت الحماسة : .
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري .
وقد فاضلت الأنمارية بين الكملة من بنيها ثم قالت : لما أبصرت مراتبهم متدانية قليلة التفاوت . ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل وهم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها " لعلهم يرجعون " إرادة أن يرجعوا عن الكفر إلى الإيمان . فان قلت : لو أراد رجوعهم لكان قلت : إرادته فعل غيره ليس إلا أن يأمره به ويطلب منه إيجاده فإن كان ذلك على سبيل القسر وجد وإلا دار بين أن يوجد وبين أن لا يوجد على حسب اختيار المكلف وإنما لم يكن الرجوع لأن الإرادة لم تكن قسرا ولم يختاروه . والمراد بالعذاب : السنون والطوفان والجراد وغير ذلك .
" وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون "