وقرئ يعشوا على أن من موصولة غير مضمنة معنى الشرط . وحق هذا القارئ أن يرفع نقيض . ومعنى القراءة بالفتح : ومن يعم " عن ذكر الرحمن " وهو القرآن كقوله تعالى : " صم بكم عمي " البقرة : 18 ، وأما القراءة بالضم فمعناها : ومن يتعام عن ذكره أي : يعرف أنه الحق وهو يتجاهل ويتغابى كقوله تعالى : " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم " النمل : 14 ، " نقيض له شيطانا " نخذله ونخل بينه وبين الشياطين كقوله تعالى : " وقيضنا لهم قرناء " فصلت : 25 ، " ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين " مريم : 83 ، وقرئ نقيض أي : يقيض له الرحمن ويقيض له الشيطان . فإن قلت : لم جمع ضمير من وضمير الشيطان في قوله : " وإنهم ليصدونهم " ؟ قلت : لأن من مبهم في جنس العاشي وقد قيض له شيطان مبهم في جنسه فلما جاز أن يتناولا لإبهامهما غير واحدين : جاز أن يرجع الضمير إليهما مجموعا " حتى إذا جاءنا " العاشي . وقرئ جاآنا على أن الفعل له ولشيطانه . " قال " لشيطانه " يل ليت بيني وبينك بعد المشرقين " يريد المشرق والمغرب فغلب كما قيل : العمران والقمران . فإن قلت : فما بعد المشرقين . قلت : تباعدهما والأصل : بعد المشرق من المغرب والمغرب من المشرق . فلما غلب وجمع المفترقين بالتثنية : أضاف البعد إليهما " إنكم " في محل الرفع على الفاعلية يعني : ولن ينفعكم كونكم مشتركين في العذاب كما ينفع الواقعين في الأمر الصعب اشتراكهم فيه لتعاونهم في تحمل أعبائه وتقسمهم لشدته وعنائه وذلك أن كل واحد منكم به من العذاب ما لا تبلغه طاقته ولك أن تجعل الفعل للتمني في قوله : " يا ليت بيني وبينك " على معنى : ولن ينفعكم اليوم ما أنتم فيه من تمني مباعدة القرين . وقوله : " إنكم في العذاب مشتركون " تعليل أي : لن ينفعكم تمنيكم لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركون في سببه وهو الكفر . وتقويه قراءة من قرأ إنكم بالكسر وقيل : إذا رأى الممنو بشدة من منى بمثلها : روحه ذلك ونفس بعض كربه وهو التأسي الذي ذكرته الخنساء : .
أعزي النفس عنه بالتأسي .
فهؤلاء لا يؤسيهم اشتراكهم ولا يروحهم لعظم ما هم فيه . فإن قلت : ما معنى قوله تعالى : " إذ ظلمتم " قلت : معناه : إذ صح ظلمكم وتبين ولم يبق لكم ولا لأحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين وذلك يوم القيامة . وإذ : بدل من اليوم . ونظيره : .
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة .
أي : تبين أني ولد كريمة .
" أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين " .
كان رسول الله A يجد ويجتهد ويكد روحه في دعاء قومه وهم لا يزيدون على دعائه إلا تصميما على الكفر وتماديا في الغي فأنكر عليه بقوله : " أفأنت تسمع الصم " إنكار تعجيب من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم وأراد أنه لا يقدر على ذلك منهم إلا هو وحده على سبيل الإلجاء والقسر كقوله تعالى : " إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور " فاطر : 22 .
" فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم " .
ما في قوله : " فإما نذهبن بك " بمنزلة لام القسم : في أنها إذا دخلت دخلت معها النون المؤكدة والمعنى : فإن قبضناك قبل أن ننصرك عليهم ونشفي صدور المؤمنين منهم " فإنا منهم منتقمون " أشد الانتقام في الآخرة كقوله تعالى : " أو نتوفينك فإلينا يرجعون " غافر : 77 ، وإن أردنا أن ننجز في حياتك ما وعدناهم من العذاب النازل بهم وهو يوم بدر فهم تحت ملكتنا وقدرتنا لا يفوتوننا وصفهم بشدة الشكيمة في الكفر والضلال ثم أتبعه شدة الوعيد بعذاب الدنيا والآخرة . وقرئ نرينك بالنون الخفيفة . وقرئ بالذي أوحى إليك على البناء للفاعل وهو الله D والمعنى : وسواء عجلنا لك الظفر والغلبة أو أخرنا إلى اليوم الآخر . فكن مستمسكا بما أوحينا إليك وبالعمل به فإنه الصراط المستقيم الذي لا يحيد عنه إلا ضال شقي وزد كل يوم صلابة في المحاماة على دين الله ولا يخرجك الضجر بأمرهم إلى شيء من اللين والرخاوة في أمرك ولكن كما يفعل الثابت الذي لا ينشطه تعجيل ظفر ولا يثبطه تأخيره .
" وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون وسل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون "